سمير عطا الله 

كان أندريه مالرو واحداً من أشهر ثلاثة أدباء في فرنسا، القرن الماضي، بعد جان بول سارتر وألبير كامو. لكن متن شهرته لم يكن في إنتاجه الروائي، أو الفكري، الذي فقد الكثير منه الآن، بعكس بقائية نتاج كامو والكثير من نتاج سارتر. الأهم في شهرته الكبرى، أنه كان مغامراً يقتحم ساحات الصراع المشتعلة أوائل القرن. مرة في الصين، ومرة في الهند الصينية، ومرة في الحرب الأهلية الإسبانية. ولقد كان في هذه الصورة القتالية واحداً من مشاهير الكتاب المغامرين مثل جورج أورويل وارنست همنغواي.


الفارق أنه كان ثمة خيال كثير في ادعاءات مالرو، الذي اعتبر نفسه ثاني شخصية فرنسية بعد ديغول. منها أنه صادف ماو تسي تونغ، في حين أنه لم يقابله في حياته. ومع ذلك، فعندما قرر ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر زيارة الصين، دعي إلى واشنطن للإصغاء إلى خبراته في أوضاع بكين.
وبرغم سمعته كادِّعائي، فقد جعله ديغول أول وزير ثقافة في تاريخ فرنسا. وخلال السنوات العشر التي حمل فيها الحقيبة، كان أول من يجلس إلى يمين الرئيس في اجتماعات الحكومة، أي متقدماً رئيس الوزراء.
انضم مالرو في البداية إلى الحزب الشيوعي. وأصدر صحيفة معادية للاستعمار الفرنسي في سايغون. لكنه فيما أيد الشيوعية، كتب أيضا في تأييد النازية. وادعى أنه قابل وزير هتلر، غوبلز. كما ادعى أنه قابل ستالين. وزعم أنه شارك في المقاومة خلال الحرب العالمية الثانية، لكن تبين أنه انزوى مع صديقته الإيطالية في إحدى قرى الجنوب الفرنسي.
وصفه كريستوفر هتشنز بأنه «أكبر فنان محتال في صناعة الذات». وقال فيليب روث إن «مذكراته منفوخة بالعظمة». وقال ريمون ارون «إن ثلثه عبقري، وثلثه مزور، وثلثه غير مفهوم». أما هو فقال عن نفسه «إن كل مغامر يعاني من عقدة الشعور بالأسطورة».
كذب مالرو تقريباً حول كل شيء: في المدرسة الثانوية التي انتسب إليها. في انتسابه إلى كلية اللغات الشرقية وتخرجه منها. في إجادته للغة الفارسية والسنسكريتية ومعرفته بالروسية. أما الحقيقة فإنه كان يجهلها جميعاً، كما يجهل الإنجليزية.
ومع ذلك، فقد نجح تماماً في رسم الأسطوريات التي أراد إضافتها إلى حقائقه. وحقائقه لم تكن هينة ولا قليلة. وما كان ممكناً لأي فرنسي أن يخدع ديغول إلى هذا المدى لولا «الثلث العبقري» فيه. كما أن مالرو كان مثار حسدٍ كثير، خصوصاً من جان بول سارتر، الذي كان يأمل، ضمناً، بتكريم ما من ديغول، لكن الجنرال ظل يخاطبه بلغة الغرباء عندما يجيب عن رسائله: «عزيزي الأستاذ».