خليل علي حيدر

متى يمكن للدول العظمى أو البلدان القوية إنقاذ الشعوب المغلوبة على أمرها أو الدول المعتدى عليها.. دون أن تنال هذه «الدول القوية» الانتقادات والاتهامات؟

بعد قراءة مجموعة مقالات بدورية السياسة الدولية، عدد يوليو 2017 عن الأخلاق والسياسة، أخشى ألا نتعاطف بعد اليوم مع أي تدخل خارجي لإنقاذ أي دولة أو أي شعب، حتى لو بلغ الصراخ عنان السماء أو تسلط على مقدرات الناس مستبد مجرم، أو استجار بالدول الكبرى من استجار. فما من مدخل لمساعدة الشعوب المظلومة بالشكل الذي تسمح به علاقات وتوازن ومصالح هذا العصر إلا وأقفلته بشكل أو بآخر نظرية من النظريات، أو وجهة نظر متشككة، أو مأخذ من المآخذ. ولا يدري الواحد منا متى تتوافر الشروط المثالية في العلاقات الدولية للتدخل السياسي لنصرة أي دولة أو مساعدة أي شعب منكوب، دون أن يهاجم الدولة «المنقذة» أحد!

لا أحد يزعم أن التدخل الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق كان مثالياً، ولكن هل كان من الممكن حقاً إسقاط نظام «طالبان» واقتلاع نظام صدام حسين بغير التدخل العسكري؟ ألم نوجه نقداً مماثلاً لأمريكا مثلاً لعدم تدخلها عسكرياً في سوريا وليبيا وربما في دول أخرى؟
لا جدال في أن التدخل لن يتم يوماً بالطرق المثلى، ولا يمكن منع المصالح والمطامع وربما فوضى الأداء، ولكن هل يسهل على دول مثل أمريكا وفرنسا وفرنسا وبريطانيا وغيرها إنجاز «جراحة سياسية نظيفة».. بسهولة؟ ألا نكون في مثل هذه الحالة كمن يتحدث عن، أو يتمنى وجود «مستبد عادل»، يجمع بين مرونة الديمقراطية وحسم الاستبداد؟
«بدأ الاهتمام بنشر وترويج الديمقراطية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، خاصة خلال حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون، إذ تحدث آنذاك عن حق الأمم الكبيرة والصغيرة، وعن حق الإنسان في كل مكان في اختيار أسلوب الحياة والحكم الخاص بها». وتضيف الباحثة «رانيا السباعي» أن الأزمة الاقتصادية التي داهمت العالم في ثلاثينيات القرن العشرين، فضلاً عن نشوب الحرب العالمية الثانية، حال دون تحقيق مبادئ ويلسون، واللافت أن التفسيرات الأخلاقية والقيمية ظلت حاضرة بقوة في خطاب القوى الغربية لتسويغ سياساتها وآلياتها المختلفة في الدعوة إلى نشر الديمقراطية، وهناك أربع نظريات في هذا المجال تحاول أن تفسر وتتفهم دوافع الغرب في ذلك (لا مجال لعرضها الآن)، أما الآليات الغربية في نشر الديمقراطية كما يتصورها الغربيون فيعدد الباحثون منها ثلاث آليات هي: «العدوى الديمقراطية»، فالنظام السلطوي القائم قد يهتز نتيجة سقوط نظم مماثلة، والآلية الثانية إيجاد حوافز ومزايا معينة مقابل الالتزام بالقيام بإصلاحات معينة أو وجود عقوبات أو أشكال من الحرمان، وأخيراً هناك آلية «التدخل العسكري»، كما فعلت الولايات المتحدة في كل من جرينادا وبنما في ثمانينيات القرن الماضي، أو عبر قيادتها لتحالف مع دول أخرى. وتسلط الباحثة بعض الأضواء على قضية جدلية أثيرت مراراً، وهي هل ديمقراطية النظام السياسي يدعم ميله إلى السلام، خاصة أن العديد من الدراسات قد بينت أن الدول الديمقراطية شأنها شأن الدول الأخرى، قد تذهب إلى الحرب. فعلى سبيل المثال درس «ملفين سمول» و«ديفيد سنجر» الحروب التي وقعت في الفترة 1816 - 1965، ولم يجدا أي اختلافات تذكر بين الأنظمة الديمقراطية بالمقارنة بغيرها من حيث درجة الانخراط في الحروب.

وتنتقل الباحثة نفسها «رانيا السباعي» إلى قضية جدلية ثانية، فتتساءل مع الكثير من مثقفي العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث: إلى أي مدى تمثل الليبرالية الديمقراطية الغربية نموذجاً، حيث يستند المسوغ القيمي والأخلاقي لنشر الديمقراطية إلى أن يتوجب على الدول الأخرى اتباعه؟ وحتى لو سلمنا بهذا، فهل ثمة استحالة في تباين الرؤى وتعدد الطرق وكيفية التطبيق، بما يتوافق مع ظروف كل دولة وخصوصياتها الاجتماعية والحضارية والثقافية؟

ولكن الباحثة تخفق كالآخرين من نقاد الليبرالية الغربية في إيراد نماذج مقنعة من «الليبراليات البديلة» أو حتى الحلول الناجحة، حيث نرى أن أنجح الأمثلة هي اليابان وكوريا الجنوبية، بينما تنزلق النماذج «الوطنية» و«المنفردة» إلى أشكال من الفردية، لعل آخرها النموذج التركي!

وتأخذ الباحثة على الغرب عدم حرصه على الديمقراطية في علاقاته مع العالم العربي، و«أنه فضّل الحفاظ على مصالحه مع النظم التسلطية قبل الثورات العربية دون تبني آليات ضاغطة لدفعها نحو الإصلاح الديمقراطي، كما واجهت الولايات المتحدة انتقادات مستمرة بازدواجية وانتقائية الدور الذي تلعبه، في مجال نشر الديمقراطية، بما يخدم مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية». ولكن ألا تستحق النخبة العربية السياسية والثقافية والإعلامية والقيادات الحزبية والوطنية أي لوم على حساسيتها إزاء أي نقد يوجهه الغرب أو الإعلام الأميركي للعالم العربي والإسلامي وأوضاعه وتجاربه وفكره السياسي؟ ماذا كنا نفعل بمن ينتقد أوضاعنا؟ مَن من الغربيين كان يسلم من مقالات صحف العواصم العربية وشتائمها لو تجرأ على نقد الزعامات والتجارب العربية والإسلامية؟
ألا يزال هذا هو موقفنا نفسه إزاء أي نقد سياسي أو ثقافي أو سلوكي يبديه الغرب لأي شيء يخصنا؟ ثم أن الغرب، خلوقاً كان في السياسة أم بلا أخلاق، فإنه يعرف ويدرس ما يريد.. فهل هذا حالنا؟
لقد أنقذ الغرب بتدخله في الأعوام الأخيرة دولاً كالكويت وأفغانستان والعراق وليبيا، وقدم مساعدات مالية واقتصادية وتقنية وغذائية هائلة إلى كل العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك باكستان وإيران وتركيا وشمال أفريقيا وغيرها، وخلص بعض الدول العربية والإسلامية من الاحتلال والعدوان والأنظمة الديكتاتورية، فهل استطاعت هذه الدول تبني أي تجربة نهضوية أو اقتصاد صناعي رشيد؟ وهل أزهر «ربيعنا» في أي مكان؟