زاهي حواس

 توازي المقابر الملكية التي عثر عليها عالم الآثار والتر آلفا في بيرو أهمية كشف «توت عنخ آمون» في مصر... وهذه ليست مبالغة، بل هي الحقيقة التي شاهدتها بعيني عند زيارتي الأخيرة لبيرو...

وقد يكون السبب في شهرة «توت عنخ آمون» أنه الفرعون الوحيد الذي عثر على مقبرته سليمة، وما ارتبط به الكشف من موضوعات مثيرة مثل الحديث عن لعنة الفراعنة، والذهب. وكشف بالمقابر الملكية في بيرو على كميات كبيرة من الذهب ربما أكثر مما عثر عليه داخل مقبرة الفرعون الذهبي. أما السبب في عدم وصول هذا الكشف إلى قلوب العامة في كل مكان مثل «توت عنخ آمون» أن المكتشف الدكتور والتر آلفا رجل طيب بسيط لا يتحدث الإنجليزية ولا يبحث عن شهرة؛ لذلك فقد تقوقع الكشف داخل بيرو، وكل القطع الأثرية التي عثر عليها داخل مقابر سيبان معروضة بالكامل الآن داخل المتحف الموقعي الرائع؛ والذي لم أكن أتوقع وجوده بهذا الجمال، وبعد أن زرت موقعاً أثرياً مهماً عثر داخله على مومياء لامرأة نالت شهرة عظيمة، وقطعنا الطريق إلى المتحف في نحو ثلاث ساعات، ووصلنا في وقت الغداء، وكان في استقبالنا الأثري العظيم والتر آلفا وزوجته، وقدما لنا غداء لا أستطيع أن أصف نوع الأطباق التي قُدمت؛ لأنها من أنواع الأطعمة الشعبية في بيرو... وكان هناك مترجم لنقل حديثه من الإسبانية إلى الإنجليزية... وعندما دخلت المتحف لم أصدق أن هذا الكشف موجود في بيرو.

وتعود قصة الكشف عن المقابر الملكية إلى يوم ضبطت فيه الشرطة بعض لصوص الآثار وهم يحفرون ليلاً داخل موقع يطلق عليه سيبان، وكان هذا بداية الكشف؛ ولذلك جاء والتر، الذي كان يعمل رئيساً لآثار المنطقة واستطاع أن يكتشف لنا عن ست عشرة مقبرة ملكية داخلها كنوز من ذهب وفضة ومعادن وفخار، وتم عرض كل ما عثر عليه داخل متحف رائع مكون من أربعة أدوار. 
ويعيش والتر بجوار المتحف حيث يعمل مديراً للمتحف، ويبلغ والتر من العمر الآن خمسة وستين عاماً، وسوف يحال إلى التقاعد بعد عامين... وقد عشق الآثار منذ الصغر، وأول أثر قابله وغير حياته كان عبارة عن حجر منقوش حاول أن يعرف مضمون هذه النقوش؛ لذلك قام بدراسة الآثار وعشقها وأصبح أشهر أثري في بيرو، ولكن العالم لا يعرف عنه شيئاً، وهو الذي أشرف على عرض الآثار داخل المتحف، بل وقام مع الفنيين بعمل الإضاءة المبهرة لكل القطع الأثرية وبتكاليف قليلة جداً... وعرض داخل المتحف مقبرتين بالكامل، واحدة للملك وبجواره دُفنت زوجته وحارس المقبرة الذي قطعت أرجله لكي يكون على يقظة دائمة بحراسة المقبرة، ولا يتركها إلى أي مكان؟! وحول هذه المقبرة عثر على آلاف القطع الأثرية ولم يسرق من هذه المقابر غير مقبرة واحدة، أما المقابر الأخرى فعثر عليها كاملة وداخلها تماثيل خاصة بأسماك وطيور وتماثيل لإلهتهم «البوم»، وآخر يدعى «بيردمان» الذي اشتقت هوليوود هذا الاسم وأنتجوا سلسلة من الأفلام، وكذلك رجل السمك... كل هذه الآثار تمثل البداية منذ لحظة الولادة وحتى الموت. وداخل المقبرة الواحدة عثر على أكثر من 1700 قطعة أثرية أغلبها من الذهب مثل تاج الملك، وعقود رائعة وقطع ذهبية رمز للشمس، وأخرى فضية رمز القمر، والمعادن رمز الجبل... وكل هذه القطع استعلمت في الحياة ووضعت بجوار المتوفى لاستعمالها في العالم الآخر.
أجمل ما في المتحف هو عرض الآثار بالصور كما عثر عليها، وبعد ذلك يُعرض الأثر نفسه بعد الترميم بطريقة خلابة تجعل هذا الكشف يعادل جمال «توت عنخ آمون» وهيبته.