عسى

بعد 11 سبتمبر (أيلول) فاخَر أسامة بن لادن بأنه كلف أميركا المليارات في الخسائر. مكان البرجين قام مبنى يضاهي الناطحات الأخرى في نيويورك. 

وارتفعت أسعار العقار في المدينة. وتضاعفت فيها حركة الثروة والازدهار. إن أميركا تربح دائماً عندما تبني وتخسر، وعندما تدمَّر. خسرت في العراق والفيتنام، وساعدت أوروبا بعد الحرب العالمية على إعادة بناء نفسها في سرعة مذهلة. 

وأوروبا أيضاً بارعة في إعادة الإعمار وسخيفة في القتل. الذي زار ألمانيا بعد 15 عاماً من 1945 لم يصدق إطلاقاً أنها كانت في الرماد: لقد أعادت بناء البيوت والطرقات والمصانع، وأصبحت (الغربية) ثالث أقوى اقتصاد في العالم. وظلت ألمانيا الشرقية تتعثر حتى عادت الوحدة بين الجانبين.

سوف تكلف الأعاصير الأخيرة الأميركيين نحو 500 مليار دولار. لكننا سوف نرى أن النظام قادر على استيعاب هذه الكلفة الخيالية بسهولة تقريباً. فالمبدأ الجماعي يطبق هنا ببراعة ودقة، وخصوصاً، بحرية، أكثر بكثير ما كان يطبق في الظل السوفياتي، حيث كادت الدولة تنهار أمام كارثة «تشرنوبيل».

هذا لا يعني أن النظام الأميركي لا يخفق في حالات كثيرة، كما حدث في مدينة ديترويت التي كانت رمز صناعة السيارات، ثم أفلست وتحولت إلى مدينة أشباح وخرائب. لكن ها هي تستعيد شيئاً من ماضيها، في مبادرات فردية مذهلة.

ليس الأميركيون وحدهم، ولا النظام الغربي وحده. اليابان سيدة القيام من الركام. والآن تقوم الصين بتجارب مذهلة حول العالم، في هذا الباب: مدن مقفرة يقوم الصينيون بإعادتها إلى النمو والازدهار.

هذه «معجزة» المجتمع الصناعي وسبل الإنتاج. صحيح أن «طوبة فوق طوبة» مثل رومانسي جميل، لكن ناطحة سحاب إلى جانب ناطحة أخرى تقيم مدينة مثل شنغهاي، أو تجعل تدمير البرج التجاري يبدو مثل حادث عرضي في ورشة عمار بلا حدود.

على رغم الفظاعة التاريخية، بدا 11 سبتمبر فيما بعد، عملاً عبثياً سخيفاً. مجموعة تبحث عن أسافين تدكها في أبنية العالم، والعالم 
يمضي في عملية البناء. فهذه القاعدة الوحيدة القابلة للبقاء. الهدم والدمار خرق أخرق حتى لو كان حرباً عالمية.
عسى أن يكون الدمار الذي لحق بالعراق وسوريا آخر قطع مع النهضة والبناء منذ الصليبيين وهولاكو. عسى.