أمل عبد العزيز الهزاني

أطراف سياسية تعتقد أن إيران هي الذراع التي تؤلم السعودية، فيلجأون إليها من باب إلحاق الضرر بمصالح المملكة. في واقع الحال هذه النظرية غير صحيحة؛ وعدم الصحة أساسه أن إيران دولة مغضوب عليها دولياً، وسمعة جواز السفر الإيراني هي الأسوأ بعد كوريا الشمالية، وفي أحسن أحوال تعامل الغرب مع إيران كان من خلال اتفاق نووي لتحجيم أذاها، كمن يتعامل مع مختل عقلياً يشهر سكينه في وجوه المارة.


إن عبارات من قبيل إن تخليكم عنا اضطرنا لإيران، هي مزايدة لتبرير العلاقة مع دولة شريرة اتفقت معها المصلحة. سمعناها من المزايدين في السابق، وحالياً من النظام القطري، وعلينا أن نفهم سبب هذا الادعاء وصحته.
نبدأ بحركة حماس التي أعلنت علاقتها صراحة مع إيران وطار رئيس مكتبها السياسي إلى طهران وكأنه يعلن أن هذه الوجهة هي خيار الحركة، وختم الرحلة بالزيارة الشهيرة لقبر الخميني. فهل اضطرت حماس لإيران؟ وهل كانت السعودية السبب؟
بعد أن طرحت الرياض مبادرة السلام في القمة العربية في بيروت، في مارس (آذار) 2002، وافقت عليها الدول العربية ورفضها المتشددون؛ أرييل شارون وحماس وإيران، لكنها كانت ولا تزال الحل المؤجل للقضية الفلسطينية والورقة العربية الوحيدة أمام العالم. حماس رفضتها وأصرت على استكمال نهجها المقاوم، مع وعود إيرانية بأن تحل بديلاً عن المملكة العربية السعودية في الدعم والتمويل إن أفشلت حماس مشروع المبادرة.
اعتبرت الرياض أن هذا اختيار الحركة وعليها تحمل تبعاته. ثم قرر خالد مشعل أن يزج بالمقاومة في المعترك السياسي بعد إغراءات من واشنطن التي ظنت أن العمل السياسي سيشغلها عن العمل المسلح. لكن حماس نتيجة تحريض بعض الجهات طمعت في أن تكون مثل «حزب الله» اللبناني؛ تحمل السلاح بيد، وصندوق الاقتراع في اليد الأخرى.
إن ما يهم حماس هو الدعم المالي لا غير دون الاكتراث بالالتزمات الأخرى، فالجانب العربي لا يقبل أن تكون حماس منفردة متحكمة في دفة القضية الفلسطينية بتوجيه مباشر من المرشد الأعلى الإيراني، وذات منهج تصادمي مع السلام، لذلك لم يعد ممكناًدعم حركة تريد الانفراد بالحكم والسلاح. 
اختار مشعل بإرادته الارتماء في أحضان إيران، التي احتضنت القيادات الحمساوية، وباركت الانقلاب الذي نفذته حماس في غزة، وكانت المحرض على انتهاك اتفاق المصالحة الذي تم في مكة المكرمة بين السلطة الفلسطينية والحركة، ولكل عمل جلب ويلات الحرب الإسرائيلية على أهالي غزة.
كان مفترق طريق بين المملكة وحماس، فالمنهج اختلف والأهداف تباعدت ولم تعد القواسم المشتركة حاضرة.
غير صحيح أن عدم رضا السعودية عن حماس بسبب تملصها عن اتفاق مكة المكرمة هو الذي اضطرها إلى إيران، بل هي من اختارت الركوع لإغواء الوعود والدعاية الإيرانية. علاقة الإخوان المسلمين بإيران قديمة، منذ الثورة الخمينية، ولأنها جماعة نفعية فهي تعرف كيف ترتزق من جهات عدة متضادة.
الحال مشابه لدولة قطر الذي ذكر مندوبها في الجامعة العربية قبل أسبوع أنها توجهت لإيران بعد مقاطعة الدول الأربع لها...
حسناً... بإمكاننا أن نصدق، لولا أننا اليوم نشهد مرور عامين تماماً على كلمة تميم بن حمد في الجمعية العمومية في نيويورك، التي تحدث خلالها صراحة عن عمق علاقة الدوحة بطهران وأن هذه العلاقة تنمو وتتطور وفي طريقها إلى مزيد من التوثيق، واستشهد باتفاقية أمنية عسكرية (وأخرى لحماية الحدود وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة)، ومشاركة في حقول الغاز وتبادل ثقافي. هذه الكلمة قبل عامين وليست بعد المقاطعة. ولا ننسى أن قطر كانت العضو الوحيد الذي صوت عام 2006 ضد قرار مجلس الأمن رقم 1696 الذي دعا إيران إلى إظهار الشفافية فيما يتعلق بنشاطها النووي.
ولا يمكن تجاهل التسجيل الصوتي للمكالمة التي جرت بين حمد بن جاسم بن جبر رئيس الوزراء الأسبق مع زعيم حركة الوفاق البحرينية علي سلمان، وكيف أنه بدا محرجاً معتذراً لاضطرار قطر إلى دخول البحرين مع قوات درع الجزيرة إبان فترة الشغب التي حرضت عليها إيران في 2011، وشرح أن القوات القطرية تدخلت شكلياً فقط لكنها لم تنفذ أي عمل! مثلما اضطرت على استحياء وفي الظل إلى الانضمام للتحالف العربي في اليمن.
العلاقات ليست اضطراراً بل اختيار، ومن السذاجة الاعتقاد أن مثل هذه الادعاءات ستجمل الواقع أو تكون ذريعة مقبولة لارتكاب الحماقات. العلاقة الإيرانية مع قطر قوية قبل المقاطعة، منذ التسعينات الماضية، وهي كذلك بعد المقاطعة، ومع الإخوان المسلمين قبل ذلك، لم يتغير شيء سوى أن ما كان يتم تحت جنح الظلام وخلف سواتر المجاملة المزيفة أصبح مكشوفاً تحت الشمس.