علي نون

ما كان ينقص اكتمال عقد الرفض المحلي (العراقي) والإقليمي والدولي للاستفتاء الكردي، سوى حلقة القرار الصادر عن مجلس الأمن بمعارضة الخطوة، وتحذيره من تداعياتها «على الاستقرار» في موازاة تجديد تمسّكه بـ«سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه».

وذلك «إجماع» نادر وعزّ نظيره إزاء المنطقة وقضاياها الكثيرة.. ويدلّ في العلن (وللمفارقة) على أن المسّ بالحدود الكيانية القائمة لا يزال (راهناً؟) خارج حسابات الدول المركزية الكبرى! برغم شيوع رياضة اتهامها بـ«التآمر» لتقسيم الكيانات القائمة، وتفتيت شعوبها وأقوامها وتحويلها إلى كانتونات مذهبية وطائفية وعرقية تضرب بعضها بعضاً وتدور حول الكانتون الإسرائيلي (الأكبر) من دون أن تصطدم به!

إلا إذا كانت القيادة الكردية برئاسة مسعود البرزاني تعرف شيئاً آخر! وذلك جعلها ويجعلها مصرّة على الذهاب في الاستفتاء قُدماً، من دون أن تخشى عواقب الخروج على «إجماع» مثلّث مثل الذي يراه العالم برّمته... أو أنها تعرف وتجرّب! وتسمّي ذلك «مغامرة»، وتستند في هذا على حقيقتين راهنتين. الأولى: إن سوريا «تُقسَّم» بالسكين والنار على الحامي! وتُوزّع (ميدانياً) على القوى المؤثرة في نكبتها برغم «أنّ الأميركيين والروس يؤكدون معاً تمسّكهم المتين والمكين» بـ«وحدتها» الجغرافية والديموغرافية! والثاني، أن إيران نفسها كثّفت في العقد الأخير، انتهاكها لكل حدود سيادية استطاعت «الوصول» اليها. وأمعنت في محاولة تنفيذ مشروعها من خلال تكسير البنى السيادية المركزية في ثلاث أو أربع دول على الأقل! وساهمت وتساهم بكل زخم ممكن، وبكل إمكانية متوفّرة لديها، في ترسيخ وتثبيت تفتت تلك الدول، على أساس مذهبي صارخ في وضوحه!

على أنّ ما يحصل في سوريا هو محاولة لـ«تأكيد» الأمر الواقع بعد ست سنوات من الحرب.. في حين أنّ ما تفعله إيران هو محاولة لـ«فرض» أمر واقع والانطلاق منه للمساومة والمقاومة تحت سقف مصالحها القومية وجموحها للعب دور الدولة المحورية والقطبية الموازية لأدوار الدول العظمى! وهي وغيرها، وخصوصاً الولايات المتحدة وروسيا مركونة في صف المرتكب وليس الضحيّة! في حين أن الكرد كانوا ولا يزالون «ضحايا» تاريخيين من جملة «ضحايا» المنطقة العربية وجوارها!

الاستفتاء المُزمع صار مصدر خطر أكيد على أصحابه وجواره حتى قبل أن يتم! وسيصير مشكلة كبرى بعد أن يتم! وخطورة «الإجماع» على رفضه تكمن في إعفاء المتصدّين له سلفاً، من تبعات ما سيفعلونه! طالما أنّ مجلس الأمن، بكل أعضائه حذّر منه. ورفضه! وأخذ قراراً بذلك! وفي جلسة واحدة يتيمة! ومن دون تردّد أو تلكؤ أو «فيتو» أو امتناع عن التصويت!

والمقارنة هنا في مكانها لتأكيد «خطورة» الأمر: مجلس الأمن في كل تاريخه لم يستطع مرّة واحدة إدانة، إسرائيل على أي ارتكاب ارتكبته. لأن «الفيتو» الأميركي كان حاضراً مبدئياً، بغض النظر عن القضية المطروحة! ومجلس الأمن هذا، لم يستطع في ست سنوات متتاليات إدانة رئيس سوريا السابق بشار الأسد على الفظاعات التي ارتكبها بما فيها استخدام الغازات السامة، لأن «الفيتو» الروسي كان حاضراً مبدئياً، وبغضّ النظر عن القضية المطروحة!

لكنه في الموضوع الكردي: قرّر وحذّر! وكأنه بمكوّناته كلها، ينفض يديه سلفاً! ويحمّل الضحية مسؤولية وصولها إلى مرتبة الضحية! ثم الأهم من ذلك، يقول باسم الشرعية الدولية، أن لا «اعتراف» بنتائج الاستفتاء أيّاً تكن!

.. قبرص التركية، هي «الدولة» الوحيدة في العالم التي لا يعترف بها أحد في العالم! لكنها قائمة بفعل الرعاية والاحتضان اللذين توفرهما لها الدولة الأم في تركيا! أما كردستان المأمولة، فلا أمّ لها ولا أب!.. ولا يبدو أنّ أحداً، في هذه المرحلة، يعرض عليها التبنّي!

لم يفت الأوان. وأبواب الجحيم لم تُفتح على مصراعيها تماماً! ويمكن القيادة الكردية ورئيسها البرزاني تلقّف اليد التي مدّتها المملكة العربية السعودية للمساعدة على الخروج من مأزق الاستفتاء بما يحفظ دماء الأكراد والعراقيين وغيرهم على السواء. ويحفظ «حقوق» الجميع مبدئياً وواقعياً!