&عبدالحق عزوزي

عندما تأتي عطلة الصيف، يسألنا العديد من طلبة الجامعات والباحثين وأصحاب العقول النيرة عن بعض الكتب القيمة التي يمكن أن يقرأوها؛ فأنصح من يريد أن يتبحر في كتب التراث النهضوي، بقراءة كتب تمت إعادة نشرها وتوثيقها وتقديمها من قبيل أعمال علي شريعتي (العودة إلى الذات)، محمد مصطفى حلمي (الحياة الروحية في الإسلام)، الطاهر الحداد (امرأتنا في الشريعة والمجتمع)، عبد العزيز جاويش (الإسلام دين الفطرة والحرية)، نبوية موسى (المرأة والعمل)، العلامة المغربي علال الفاسي (دفاعا عن الشريعة)، العلامة التونسي الطاهر ابن عاشور (مقاصد الشريعة الإسلامية)، محمد إقبال (تجديد الفكر الديني في الإسلام)، عبد الرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد)، خير الدين التونسي (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)، عبد المتعال الصعيدي (الحرية الدينية في الإسلام)، محمد الغزالي (السنة النبوية من أهل الفقه وأهل الحديث)... ولربما كان غياب هذا القسم من التراث النهضوي الإسلامي سبباً من أسباب تكرار الأسئلة نفسها التي سبق أن أجاب عنها أولئك الرواد في سياق واقعهم الذي عاصروه. وربما كان هذا الغياب أيضاً من أسباب تفاقم الأزمات الفكرية والعقائدية التي يتعرض لها أبناؤنا من الأجيال الجديدة داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية وخارجها.


كما أنصحهم بقراءة كتاب «عن الديمقراطية في أميركا» للكاتب «ألكسي دو توكفيل»، الذي كتبه بعد رحلته إلى أميركا في أبريل 1831 ومارس 1832 عندما كان وزيراً لخارجية فرنسا، والكتاب من أقيم الكتب وصفاً للديمقراطية التي تسود المؤسسات الأميركية، ونشأتها وكيفية عملها والعوامل الداخلية والخارجية التي تقويها، ونظر إليها من زاوية السياسي الكبير وعالم الاجتماع المحنك، ولم يكتف بترداد ما هو معروف ومألوف في زمانه، بل جمع همَّ التعرف عن كثب على أحوال أميركا السياسية في امتدادها الجغرافي والزّماني، وكيف أن المؤسسات الأميركية تعمل على تثبيت رفاهية الإنسان وتطور المجتمع.&


ودائماً ما أقول في كتاباتي ولطلبتي في الجامعات عندما أنصحهم بقراءة بمثل هذه الكتب أنه إذا صح لنا أن نخرج بخلاصة واحدة، سواء من خلال تناولنا لأفكار أصحاب التقدم والتنوير في أي قطر من أقطار العالم، أو من خلال رواد الفكر والإصلاح الديني والسياسي في الوطن العربي والإسلامي أو من خلال التفكير في الإصلاح في تاريخنا المعاصر انطلاقا من المشهد الراهن ومآلاته، فهي ضرورة الالتزام بالحكمة في بناء أي شيء، وفي تمثل الفكر والخطاب الديني والسياسي، فالحكمة هي أصل كل شيء؛ وهي التي تسقي جذور الإصلاح، وهي التي تبني المجال السياسي العام على أصول لا تحور ولا تبور، وهي التي تجعل من العقل عقلا ناهضاًً، ومن المجتمع مجتمعاً سوياً، ومن النظام السياسي ومن الأحزاب السياسية والأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية مؤسسات تبني وتتكيف مع الواقع والمستقبل.


ولا فائدة هنا في ذكر أقوال الرواد ومدح مسيرتهم وكتبهم، فالمئات من الكتب تزخر بآرائهم وأفكارهم، ولكن لتبين الخلاصة التي نستقيها من حديثهم وتأصيلهم للإصلاح والتجديد الديني وللإصلاح والتجديد بصفة عامة. فهي كلها في نظري تجتمع على نبذ التقليد الأعمى وما أعوج في صيرورة مجتمعاتنا من تخلف وتقهقر، وهذه الحكمة هي روح العقل، وهي تتكيف مع الواقع والمعاش، وخصائص كل دولة على حدة، فمصر ليست هي الأردن والأردن ليست هي البحرين، وتونس ليست هي الجزائر، كما أن فرنسا ليست هي النرويج ولا هي ألمانيا، كما أن هذه الأخيرة ليست هي الولايات المتحدة الأميركية ولا أستراليا، فلكل دولة خصائصها، وأنه في أوطاننا يجب أن يكون الدين للجميع، ولا يمكن لأحد أن يكون وصياً عليه بإدخاله في جراثيم السياسة المتغيرة والمبنية على إدارة الاختلاف؛ كما أن صناديق الاقتراع والتمثيلية هي مسائل لا يختلف عليها اثنان، ولكنها تنجح في أوطان وتفشل في أخرى لغياب الحكمة، فخذ مثال تونس بنعلي، وخد مثال عراق صدام وسوريا بشار، هؤلاء قوم غابت عنهم الحكمة للأسف الشديد، ولو رزقوها لبقيت دولهم حصناً منيعاً ضد التدخلات الأجنبية والتمزقات الداخلية، ولما وصلت شعوبهم إلى ما وصلت إليه اليوم من تمزق وتشرذم، ولما تولدت مجموعات إرهابية مثل «داعش» وأخواتها، ولبقي النظام العربي نظاماً متماسكاً، ولعم الأمن والاستقرار كل المنطقة.

&