عبدالله ناصر العتيبي&

السيد حسن نصرالله يتاجر مرة أخرى بدماء من يموتون من أجله! هكذا يمكنني ببساطة شديدة اختصار خطاب «ممثل خامنئي» في لبنان قبل يومين بمناسبة الذكرى الثانية عشرة للحرب التي أشعلها حزبه بهدف العودة ثانية إلى المشهد اللبناني!

بعد عودة الهدوء نسبياً للجنوب اللبناني بعد العام 2000، بدأ الكثير من اللبنانيين في الكلام بصوت مسموع في مسألة سيطرة «حزب الله» على جزء من التراب اللبناني بعيداً عن سلطة الدولة. أخذت المواقف الرافضة لهيمنة «حزب الله» وسلاح «حزب الله» في التشكل رويداً رويداً حتى صارت حديثاً عادياً في أفواه عابري الشوارع ومرتادي المقاهي والحانات، ولم تعد حكراً على السياسيين والمشتغلين بالهم العام. وصار المواطن اللبناني البسيط (وهنا كانت تكمن مشكلة «حزب الله») يجد مشكلة في فهم نموذج الدولة اللبنانية! الجميع يسأل: كيف للبنان المستقل السيد على نفسه أن يقبل اقتطاع جزء من أرضه ليصبح تحت سيادة وإشراف جماعة مسلحة تابعة لدولة أخرى؟ هذه الإشكالية الجديدة دفعت ب«حزب الله» لأن يفتعل حرباً عبثية ضد إسرائيل في العام 2006 بهدف إعادة بعث الحزب من جديد، وتصديره للمواطن اللبناني البسيط، كرأس حربة في مواجهة أي اعتداءات إسرائيلية. كانت الرسالة الأهم من وراء هذه الحرب هي «أن الجيش اللبناني غير قادر على مواجهة إسرائيل في حال نشوب حرب بين البلدين، وأن القوة العسكرية ل«حزب الله» هي وحدها القادرة على موازنة القوى في المنطقة، وردع الإسرائيلين فيما لو فكروا باستهداف لبنان مستقبلاً».

انطلت الخدعة على الكثير من المواطنين البسطاء، ليس في لبنان فحسب بل في كامل الوطن العربي، إلى درجة أن الحزب صار يكبر شيئاً فشيئاً في الفضاء اللبناني تحت عنوان المقاومة، حتى تمكن في النهاية، بمساعدة من حليفه الموقت «التيار الوطني الحر»، وبغفلة من «المواطن البسيط»، وبفضل المال الإيراني من السيطرة على البرلمان في الانتخابات النيابية الأخيرة.



حرب 2006 تمثل في وجدان الحزب وزعيم الحزب لحظة تاريخية فارقة. هي تشبه تماماً مرحلة التأسيس الأولى. هي في الحقيقة إعادة تأسيس للحزب في شكل يتناسب مع مستجدات القرن الجديد، لذلك ليس غريباً أن يحتفل بها السيد حسن نصرالله ويحاول أن يصنع منها انتصاراً وهمياً يشرك فيه جميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم!

وكي يسوّق هذا الانتصار المزعوم ويبيعه للّبنانيين أولاً والعرب ثانياً، لابد من الإشارة دائماً إلى الشهداء الذين دفعوا بأعمارهم في مهاوي الردى من أجل أن يحيا من خلفهم أحبابهم وأصدقاؤهم وأهل بيوتهم! «نموت من أجلكم»... هنا تكمن كلمة السر وكينونة الجماعة. وهنا تجد هذه المتاجرة بأرواح القتلى للأسف رواجاً عند بعض الأحياء الذين «يوازنون أرواحهم ويبنون وجودهم» من خلال الخضوع للشعارات الحزبية والتماهي في صيحات الجماهير. تجد رواجاً عند من يقول «نجوت بنفسي ومات الآخر من أجلي»، لكنها في الجهة المقابلة تمر كرائحة ماء آسن على بيوت ذوي المقتولين وأحبابهم!

الحزبلاهيون الذين فقدوا حبيباً أو قريباً في سورية أو حرب صناعة «عودة «حزب الله»» يعرفون أن الظهور الإعلامي المتكرر لزعيم الضاحية وانحيازه إلى دماء الموتى، هو في الحقيقة متاجرة سمجة، واستدعاء وهمي للتعاطف لا يمكن أن يتقبلوه من جديد كما كانوا يفعلون سابقاً.

كان نصرالله في خطابه قبل يومين مبعثراً كعادته، لكن مسألتين مهمتين لفتتا انتباهي لحديثه. الأولى تعرضه للسعودية ومهاجمتها على أكثر من صعيد. والثانية تناوله لما يحدث في سورية.

فأما موقفه من السعودية، فالواضح لي أن الرجل يريد تأزيم العلاقة ما بين السعودية والحكومة اللبنانية متعمداً، على أمل أن تتخلى الرياض عن دعمها والتزامها الوقوف إلى جانب كل اللبنانيين، وهذا ما سيعزل، إن حدث، خصوم «حزب الله» في الداخل ويجردهم من أدواتهم العروبية، الأمر الذي سيسهّل القضاء عليهم باسم الولي الفقيه وممثل الولي الفقيه في إيران وممثل ممثل الولي الفقيه في لبنان!

يظن نصرالله أن مبدأ «النأي بالنفس» الذي تتبناه الدولة اللبنانية سينهار بمجرد أن يهاجم السعودية، كون حزبه يمثل نظرياً أحد أعمدة الحكومة المقبلة، لكن فات عليه أن السعودية لا ترى فيه وفي حزبه سوى الجانب الإرهابي، وبالتالي فهي لا تتوقع أبداً من عصابة إجرامية مسلحة أن تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية في المنطقة. «حزب الله» في نهاية الأمر بالمنظور السعودي هو مجموعة من العملاء الذين يسعون إلى فرض المشروع الإيراني الخبيث في المنطقة، ولا أحد يتوقع أبداً أن يتوقف هؤلاء العملاء عن دعمهم المشروع الإيراني، ولا أحد يتوقع في الوقت نفسه أن يتوقفوا عن مهاجمة السعودية، فهذان أمران مرتبطان ببعضهما ولا يمكن فصلهما في الواقع.

وأما حديثه عن «انتصار الأسد على شعبه» بفضل إيران و«حزب الله» فهو تمهيد عن «عودة وعدم عودة» رجال الحزب المسلحين المحاربين إلى لبنان، والذين إن لم يعودوا، فسيبقون أداة فاعلة للحزب تجعله دائماً فوق مستوى الدولة. وإن عادوا فلابد من دفعهم من جديد إلى حرب مسلسلاتية وهمية باتجاه حيفا في الجنوب أو حرب حقيقية واقعية باتجاه بيروت في الشمال! من تغذى على الحرب وعاش عليها مدة 3 سنوات وأكثر في جرود سورية لا يمكن أن يعود مواطناً طبيعياً في لبنان! الجندي المسترزق الذي جرب الحرب القذرة لا يستطيع العمل كموظف أرشيف أو كعامل في مقهى! إما أن يدخل حرباً جديدة تستهلك طاقته وتستنزف تساؤلاته، وإلا فإنه سيذهب مباشرة إلى الضاحية لإسقاط «ممثل ممثل الولي الفقيه» الذي تخلى عنه بعد أن عاد من ميادين القتال!

«حزب الله» سيبقى ربما في سورية سنوات مقبلة. هذا ما يريده نصرالله. لكن إن عاد إلى لبنان، فعلى اللبنانيين أن يجهزوا أنفسهم لحرب جديدة.