عبدالعزيز المقالح

سؤال أجاب عنه عدد من قادة الكفاح الفلسطيني وفي طليعتهم أول رئيس لدولة ما بعد الاتفاقية الشهيد ياسر عرفات الذي بدأ منذ وقت مبكر يرى في الاتفاقية خدعة لتقييد حركة النضال الفلسطيني من أجل استرداد وطنه وحقوقه المشروعة،

وكان آخر من اكتشف خدعة الاتفاقية وعدم جدواها هو الرئيس أبو مازن عرّاب الاتفاقية وأحد مهندسيها. فقد هدد منذ أيام بإلغائها وإعادة الشعب الفلسطيني إلى ما كان عليه تحت الاحتلال، كما بدأ يتحدث بوضوح عن أن «إسرائيل» قد استغلت هذه الاتفاقية الغامضة والملغومة في توسيع مساحات الاستيطان وقضم الأرض قطعة بعد قطعة فضلاً عن أن الاتفاقية - كما كانت الأغلبية الفلسطينية تقول - قد أوقفت كل إمكانات التعبير عن مشاعر المواطنين الفلسطينيين ضد التجاوزات المستمرة من جانب الاحتلال، وأعطت هذه الدويلة المدججة بالسلاح فرصة للتخلص من الناشطين ووضع الآلاف منهم في السجون. وكانت هذه الدويلة ترى -بعد الاتفاقية-أنها لم تعد تتعامل مع مواطنين تحت احتلالها المباشر وإنما تتعامل مع مواطني دولة لها علمها ووزراؤها وسفراؤها.
وتلك في الحقيقة هي الخدعة التي اكتشفها بعض القادة منذ وقت مبكر وسجلوا مواقفهم وآراءهم في سيل من الكتابات وفي بعض الكتب أيضاً. وقد تكون حسن النية وتصوّر إمكانية تحويل الدولة منزوعة الصلاحية إلى دولة كاملة الصلاحيات، هو الوهم الذي أطال عمر الاتفاقية وأوقف إعلان وفاتها وانتقالها إلى غير رحمة الله بعد إعلانها بشهور. ولعل ما كان غائباً عن أذهان بعض القيادات، ومنهم المستعجلون بالحصول على المناصب والغنائم السريعة، وهو ما جعلهم ينسون أنهم لا يتعاملون مع دولة تقيم وزناً سياسياً وأخلاقيا، وإنما يتعاملون مع أخطبوط لا مكان معه لحسن النية أو اختراق مخططاته الهادفة إلى الاستيلاء على فلسطين، كل فلسطين. وفي إمكان الدارس والمتابع للقضية أن يدرك أن هذه الاتفاقية - سيئة الذكر - كانت السبب الأول في استشراء الخلاف بين منظمتي فتح وحماس، وتطور سوء العلاقة بين الضفة وغزّة، وهو أمر من الوضوح بمكان. 
وهنا لا أحد ينكر أن التحولات الإيجابية التي تمت في الشهور القليلة الماضية والحوار الدائر بين الضفة وغزّة قد كان نتيجة تقارب الآراء في موضوع أوسلو وموضوعات أخرى، وأن المطلوب من كل الأخوة في فتح وحماس ومن كل الفصائل تعميق التقارب والنظر بوعي وتصور مستقبلي لفلسطين كلها وليس لجزء أو أجزاء منها، وأن الأيام القادمة وبعد القرار المشؤوم الذي أصدره الرئيس الأمريكي رونالد ترامب ستكون أكثر حِدة وسخونة من أي وقت مضى، وأن لا ضمانة عربية أو عالمية قبل أن يتمكن أصحاب الشأن من إيجاد الضمانة الداخلية التي تجعل الموقف الفلسطيني واحداً والكلمة الفلسطينية واحدة. ولا بد أن منظمتي فتح وحماس ستعيدان النظر في حصيلة الخلافات المزمنة وما تسبب عنها محلياً وعربياً من إضرار بالقضية ذاتها، ولعل أكبر عون تقدمه فلسطين للأمة العربية في هذا الوقت الصعب أن تضع النموذج المطلوب للتكاتف والائتلاف وتجاوز الخلافات الصغيرة التي أرهقت كيان الأمة بأكملها. 
لقد طالت معاناة أشقائنا وذهبت بهم الأحداث المتلاحقة ورياحها العاصفة إلى أكثر من وجهة واتجاه، وآن لهم أن يحددوا المسار مجدداً وأن يدركوا أن على نجاح مصيرهم يتحدد مصير بقية الأقطار كلها التي لم تستقر أوضاعها منذ النكبة حتى الآن.