فهد الدغيثر 

قبل بضعة أيام سأل مقدّم برنامج حواري في قناة «الحرة» الأميركية سيدة مهتمة بشؤون الشرق الأوسط، وكانت من ضيوف البرنامج، عن دور السعودية في ثورة الشعب الإيراني، كما يزعم خامنئي وروحاني، فأجابت بأن السعودية ليست مضطرة إلى دفع المال وإرسال الجواسيس إلى الداخل الإيراني. انفتاح السعودية والإمارات ودول الخليج عموماً هو أقوى محاكاة تتضرّر منها إيران. 

ثم أضافت أن الشعب الإيراني، والنساء خصوصاً، يشعرن بالضيق وحجم التفرقة والقمع والإقصاء عند مشاهدتهن اختراق النساء والوصول إلى أروقة صناعة القرار في دول حديثة كانوا يرونها دول بدائية صحراوية، بينما لا يتمتعن بذلك في إيران.

الحقيقة أن بوادر النهضة الاقتصادية والتعديلات الجوهرية، التي بادرت بها المملكة فقط خلال العام الماضي، كافية لإحداث التوتر والقلق، ليس فقط في دولة ثيوقراطية في ظاهرها فارسية الأطماع في باطنها، وكلها سوء، كإيران بل وفي دول عدة، قريبة وبعيدة، كانت تدّعي التقدّم. 

رهان إيران في الماضي، وقد أنفقوا بلايين الدولارات في سبيل ترويجه، هو أن السعودية تعتبر دولة متخلفة غارقة في التطرّف والتشدّد السلفي، ولا تستحق رعاية الحرمين الشريفين، وتجب محاربتها. بمجرّد فشل هذا الشعار كون المملكة تتحوّل سريعاً دولةً مدنيةً ورائدة في مكافحة التطرّف والإرهاب، إذ شهد العالم بأسره ذلك، قابله خروج الأدلة الدامغة عن دعم إيران الجماعات السنية والشيعية المتطرفة، تهاوت طبول هذه الدولة «الشيطانية» وتعرت أمام العالم. في المقابل، وهذا هو الأهم، لم يكن الداخل الإيراني منقطعاً عن العالم، وكان يتابع عبر كل الوسائل الإعلامية المتاحة كيف تذهب أمواله لدعم الميليشيات العربية الخائنة في لبنان وسورية والعراق واليمن، بينما مدنهم وبناها التحتية بأشد الحاجة إلى إعادة الهيكلة والتطوير.

وفي الداخل الإيراني ذاته، تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة عدد السكان ممن هم دون خط الفقر، وقد يتجاوز ذلك نصف العدد الإجمالي على مستوى الجمهورية، لو يتم تعديل الرقم الخاص بتعريف خط الفقر لديهم كونه متدنياً جداً. من هنا نخلص إلى أن الحكومة الإيرانية، وهي حكومة توسّعية غارقة في الخرافات، ولا علاقة لها بالعصر وأدواته، كانت تعيش في الأحلام، غير مدركة أن لكل رواية كاذبة نهاية حزينة، وما قد كان حلماً وردياً بالأمس، تحول اليوم إلى كابوس مرعب.

الذي يبعث على التفاؤل حول ما قد يأتي بعد نظام الملالي، في حال استمرار ونجاح الانتفاضة التي أنهت أسبوعها الأول قبل يومين، أن الخيارات أمام الشعب الإيراني، وعلى مشهد من دول العالم كافة، أصبحت واضحة. نظريات التوسع خارج الحدود فشلت، والرهان على المرتزقة من الميليشيات المأجورة في الخارج لبسط نوع من النفوذ يتهاوى، وستتم محاسبة كل متعاون ضد مصلحة بلاده. 

ليس أمام أي نظام بديل في إيران إلا إعادة بناء الداخل الإيراني من جديد بعد انقضاء أربعة عقود من التشتت والتهور وهدر الأموال. في دولة بحجم إيران سيتطلب ذلك عقدين من الزمن على الأقل مع كثير من الصبر والإرادة والتحلي بالمثابرة. لا ننسى أيضاً أن خروج العقول الإيرانية المبدعة إلى الخارج، وعدد كبير منهم فعل ذلك مع عودة الخميني، وهم بالملايين، سيتطلب جهداً مضاعفاً وإقناعاً مضنياً، وضماناً تحت مظلة الدستور الجديد بوجود دولة القوانين والمؤسسات القادرة على حفظ الحقوق وتلبية الواجبات.

لذلك، يجوز القول إن للمملكة ودول الخليج الحكيمة دوراً غير مباشر في الحراك الشعبي داخل إيران. حسناً، لا بأس في ذلك، وبصرف النظر، على دول الخليج أن تستمر في هذا التوجه، وهو ليس بالضرورة موجهاً ضد أحد، بل تتطلبه المرحلة المعاصرة، وتحديات الغد، واللحاق بركاب الدول المتقدمة. من يتضرر من ذلك عليه إعادة حساباته والالتفات إلى شعبه ومصالحه. على أن التاريخ علّمنا أن كل قائد ميليشيا أو رئيس دولة أو «مرشد» جمهورية يلوم أطراف أجنبية بتدبير القلاقل داخل حزبه أو بلاده، إنما هو يتحدث حقيقة عن فشله في إدارة شؤونه. بالمقارنة لا أذكر عند حدوث أي مظاهرات في أي دولة متقدمة ولأي سبب ولديهم الكثير من الأسباب، أن تحدثت حكومة واحدة من تلك الدول عن مؤامرات أجنبية. الذي يحدث هناك هو مناقشات وورش عمل واقعية تستنفر لمعالجة الخلل وإصلاحه.

وبالنسبة إلى السعودية والإمارات تحديداً، وهما الدولتان الأكثر حيوية في الإقدام على مبادرات النهضة والتنمية، لا يجب إغفال حقيقة مهمة وهي نشاط الخصوم في مواقع التواصل الاجتماعي، والموجّهة ضد هاتين الدولتين، وتخرج من مناطق محددة بالقرب منها، وتجيد تحديداً اللهجة السعودية الدارجة والمصطلحات الشعبية. 

لا يمر أي تشريع إصلاحي سعودي جديد مثلاً، إلا وتبدأ ماكينة التفاعلات المشبوهة وبأسماء سعودية وهمية بالتحريض ضده والعمل على الإقلال من أهميته. يستطيع أي متابع هذه الأيام ملاحظة كثرة الحديث عن رفع الدعم عن أسعار البنزين والبدء في صرف مبادرة «حساب المواطن» في المملكة، وقبل ذلك السماح بالسينما والمسرح، وعودة الفن، وإعلان «مدينة نيوم»، ومدينة «البحر الأحمر». كل هذه التشريعات تصب في النهاية في المصلحة العامة بعيدة المدى، لكن العامل المشترك والواضح، الذي يصاحب كل إعلان من هذا النوع، هو تكاثر الحديث «التويتري» المستميت من تلك الأطراف عن عدم مناسبة ذلك للمجتمع السعودي، وبالتالي ضرورة الاعتراض على مثل هذه المشاريع. يعلق أحد الأصدقاء السعوديين على هذه الظاهرة بالقول: «إن كان هذا كل ما ينتقدوننا عليه فليتنا نكثر من استثارتهم».


* كاتب سعودي