خالد درّاج

بغض النظر عما ستؤول إليه الأوضاع الداخلية في إيران، نتيجة المظاهرات والاضطرابات العاصفة منذ أسبوع في طهران وفي معظم المدن الإيرانية، على رغم عدم وصولها لمستوى الثورة الشعبية بعد، وأشك في وصولها لهذه المرحلة، في ظل المعطيات الميدانية، وبغض النظر عن مواقف أميركا ودول الغرب المتأرجحة والمتذبذبة والمرهونة بمؤشرات الشارع الإيراني، فإن هذه المواقف مجتمعة تظل محل شك في صدقيتها وفي ما تطرحه عبر الإعلام، كون الأحداث بتسلسلها التاريخي أكدت دوماً وتؤكد اليوم، أن وجود النظام الإيراني الحالي بكل تفاصيله السياسية والآيديولوجية والعدوانية يمثل مطلباً استراتيجياً تتحقق من خلاله استمرارية الصراعات والفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، إذ يمكن للغرب أن يصلوا معك لآخر نقطة في تأجيج الشارع الإيراني والضغط على النظام وإضعافه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولكن بسقف محدود جداً لا يصل بأي حال من الأحوال إلى مرحلة عزل النظام أو تغييره، وهو ما بات واضحاً وملموساً حتى للنظام الإيراني نفسه والذي بات يلعب الدور ذاته والسيناريو من جانبه، ويهاجم الغرب ويخص أميركا التي أصبح الدعاء عليها بـ«الموت» مكوناً أساساً في الثقافة العدوانية للملالي وأتباعهم في المنطقة.

بل إن هذه الاستراتيجية الغربية أصبحت جاذبة حتى لتركيا التي لا تتفق تاريخياً مع إيران في العديد من الملفات، إلا أن أنقرة وجدت في العلاقة مع النظام الإيراني ما يمكنها من اللعب على حبال هذه العلاقة للمناورة والابتزاز السياسي مع دول الخليج بخاصة والعراق وسورية بعامة.

أقول، بغض النظر عن كل ما سبق، يبقى هناك سؤال مطروح منذ زمن ويتكرس بشكل كبير هذه الأيام مع تصاعد أحداث إيران الحالية، لماذا تفاعل السعوديون عبر وسائط التواصل الاجتماعي بهذا الحجم الضخم من المتابعة والمناصرة للشارع الإيراني والدعوات بانتصاره لإسقاط النظام؟

وينشأ سؤال إضافي ذو ارتباط يقول: وهل هذا يعني أن خلاف السعوديين فقط مع النظام، وليس مع الشعب الإيراني؟ وكيف يمكن تفسير هذا التعاطف في ظل ما يتردد دوماً أن القضية مع إيران هي قضية وجودية للمذهب الذي ينتمي له الشعب والنظام؟

وفي الحقيقة أن هذه الاضطرابات التي أشير للمرة الثانية أنها لم تصل لمستوى الثورة الشعبية، أكدت أن السعودية - كمعقل للمذهب السني في العالم الإسلامي - لا مشكلة ولا قضية لها مع الشعب الإيراني ولا مع المذهب الشيعي إطلاقاً، بل إنها سعت في فترات زمنية مختلفة إلى تحييد الشارع الإيراني من أزماته مع طهران، ومدت يدها إلى نظام الملالي كثيراً وطالبت بضرورة الاحتكام للعقل والمنطق وتغيير النهج الفوقي الذي تتعامل به إيران مع قضايا المنطقة والقبول بالحقائق التاريخية والحالية، والتراجع عن كل مخططات «تصدير الثورة الإسلامية» التي جرّت الدمار والفقر والتشرذم، بدءاً من الأرض الإيرانية، ومروراً بكل الدول التي ساقت إليها جيوشها وعدتها وعتادها ودعمها المالي واللوجستي، وسبقت بذلك بنشر فكرها الآيديولوجي الذي مارست وتمارس فيه الآن حربها السياسية المذهبية السافرة في عدد من العواصم العربية.

وإن كانت بعض دول المنطقة عانت من تدخل إيران العدواني في شؤونها وتبنيها للتخريب والإرهاب والتآمر على أنظمتها وشعوبها كما حدث في الكويت والبحرين، أو من خلال العمل العسكري المباشر كما حدث في احتلال الجزر الإماراتية، إلا أن السعوديين يعتبرون أنهم كانوا أكثر من عانوا من إرهاب النظام الإيراني منذ وصول الخميني من باريس وبعد إعلانه عن مشروعه السلطوي التسلطي بتصدير الثورة لكل العالم الإسلامي وحتى اليوم. ومع مرور الوقت كان من الواضح أن كل تبعات ذلك المشروع يشير إلى أن السعودية هي المقصد والهدف.

الشارع السعودي الذي يكره نظام الملالي ويجرمه، لم يكن يستند على منطلق عقدي أو مذهبي بقدر ما كان يعاني عبر جيلين من الإرهاب الإيراني الذي مَسّ عمق مقدساته (١٤٠٧هـ)، من خلال حشد الحرس الثوري الذين وصلوا إلى مكة بملابس الإحرام وتوجهوا صوب الحرم المكي وخلقوا الفتنة والخوف والهلع وقتلوا وأصابوا المئات من الحجاج ورجال الأمن السعودي ومن المواطنين والمقيمين على ساحات الحرم، وكانت قبلها الأجهزة الأمنية قد أحبطت في مطار جدة مؤامرة إرهابية ضخمة لاستهداف الحرم المكي من خلال محاولة تهريب كميات ضخمة من المواد المتفجرة، ثم تبنوا تفجيرات في مكة عام ١٤٠٩هـ، وتبعتها جريمة نفق المعيصم في مشعر منى خلال موسم الحج، ونتج منها وفاة المئات من الحجاج داخل النفق، وكذلك تفجيرات الخبر واغتيال الدبلوماسيين السعوديين داخل إيران وخارجها، وحرق السفارة السعودية مرتين، ونهاية بمساسها بأمن المملكة وتدخلها في اليمن ودعمها الحوثيين بالسلاح والخبراء والصواريخ الباليستية التي وصلت حدود مكة المكرمة والرياض، ناهيك عن زرعها للخلايا الإرهابية في القطيف وإثارتها الفتن والقتل وإزهاق الأرواح.

ثم يأتي بعد كل هذا السجل الإجرامي الأسود مسؤولون من نظام طهران يصفون موقف الشعب السعودي بالمناصر والداعم للشارع الإيراني ضد نظام الملالي الذي لم يعد مقبولاً حتى من الإيرانيين أنفسهم!

لقد بذلت الحكومة السعودية كل ما استطاعت من جهود، واستجابت لكل الوساطات الإقليمية والدولية لنزع الفتيل طوال عقود من الزمن، ولكن لم يحدث ذلك لهم إلا مزيداً من الصلف والعدوانية، وبالتالي كان لا بد من أن تصل الرسالة لطهران أن أبواب الحوار والتفاهمات لم تكن مفتوحة للأبد وحان وقت إقفالها، وعلى نظام الملالي أن يحصد كل ما زرعه من إرهاب ويتحسر على كل ما فوت من الفرص.. وليترقب ما هو آت.

Khalddarraj@