فاروق جويدة

اختلف الناس كثيرا حول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر هناك من وضعه فى مصاف الأنبياء كما فعل نزار القبانى وقال قتلناك يا آخر الأنبياء وهناك من هاجمه بضراوة كما فعل أنيس منصور فى كتابه عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا وهناك أيضا من أخذ موقف الإنصاف والأمانة فقال فى الرجل ما كان له وما كان عليه..ومن أكثر الأجيال التى ارتبطت بعبد الناصر جيل الثورة وهو من أنقى ما أنجبت مصر فى تاريخها الحديث هذا الجيل عاش مع عبد الناصر أحلامه الكبرى فى التغيير والبناء والنهضة والعدل الاجتماعى وتكافؤ الفرص والتعليم المجانى وتوزيع الأراضي والإنتاج الصناعى وقبل هذا كله مكانة مصر الدولية فى كل المحافل..

سوف يبقى الخلاف كبيرا حول دور جمال عبد الناصر الزعيم والسياسى وهذا الدور شهد الكثير من المتغيرات لأن عبد الناصر القمع والاستبداد اختلف عن عبد الناصر نصير الفقراء وصاحب اكبر ثورة اجتماعية غيرت الكثير من ثوابت المجتمع المصرى..هناك طبقة جديدة من أبناء المهمشين والبسطاء تعلمت وشاركت وغيرت من خلال تجربة عبد الناصر فى الحكم هذه الطبقة هى التى تصدرت النخبة المصرية طوال نصف قرن من الزمان قد تكون قد نسيت جذورها وتنكرت للواقع الذى خرجت منه واعتنقت مفاهيم جديدة خاطئة فى التسلق والارتزاق وإهدار مفاهيم العدل والحرية وحقوق الإنسان..

إن تجربة عبد الناصر فى الحكم تركت آثاراً إيجابية كثيرة وتركت أيضا الكثير من السلبيات بقدر حرصه على تكافؤ الفرص والعدالة جاء بعد ذلك من انتهك هذه المبادئ وبقدر إيمانه بهذا الشعب بخل عليه بحقه فى الحرية وبقدر ما فتح آفاقاً جديدة فى العلم والتقدم بقدر ما ترك مجموعة من الأوصياء وكانت نكسة 67 هى أسوأ ما شاهدت مصر ليجد عبد الناصر نفسه محاصرا أمام قوى أجنبية ومواكب فساد لم يتوقعها..كانت تجربة عبد الناصر من أكثر التجارب ثراء وأهمية فى تاريخ مصر الحديث وكما أصاب أخطأ وكما قدم لمصر تاريخا جديدا هناك صفحات أخرى لم تنصفه وإن بقى فى كل العصور رمزا عزيزا باقيا واحتل مكانة فى قلوب الناس لم يسبقه إليها حاكم قبله.