روبين ميلز

يمكن وصف المعركة بين منظمة «أوبك» ومنتجي النفط الصخري بأنها معركة من جولتين. ففي الجولة الأولى، حاز منتجو النفط الصخري على حصة الأسواق، وانهارت أسعار النفط الخام بسبب ذلك. أما في الجولة الثانية، فخفضت «أوبك» الإنتاج مع تكيف منتجي النفط الصخري مع الأسعار المتدنية عالمياً. والآن، علينا الاستعداد للجولة الثالثة، حيث تحاول «أوبك» وروسيا العثور على مخرج من خفض الإنتاج، ولكن هناك تقلبات السوق، والانعطافات المفاجئة التي تزعج الحسابات كثيراً.


ويعد منهج منظمة «أوبك» وحلفائها واضحاً بالنسبة إلى العام المقبل. فلقد ارتفع سعر خام برنت لأعلى من 70 دولاراً للبرميل، مما يؤكد بصورة واضحة نجاح خطة «أوبك». ولقد تم تمديد خفض الإنتاج حتى نهاية عام 2018 الحالي، وسوف يجري سحب المخزونات الفائضة. ولكن وكالمعتاد دائماً، فإن الطلب في النصف الأول من العام يبدو ضعيفاً نسبياً، مما يعني أن أي تخفيضات في المخزونات الحالية سوف تكون في النصف الثاني من العام. والواقع، ولا سيما إذا ما تجاوزت الأسعار حد الـ70 دولاراً للبرميل، هو أن التوازن الأساسي بين العرض والطلب لا يدعم حالة التفاؤل. وحتى مع حدوث ذلك، فإن الانتقال بعيداً عن خفض العرض لن يكون سهلاً أو سلساً بحال. وكانت بعض الشركات الروسية تحاول انتهاج سبل منفصلة عن منظمة «أوبك» على الرغم من تصريحات وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بأنه لا يرى أي توازن تم تحقيقه حتى الربعين الثالث والأخير من العام المقبل، مضيفاً أن الصفقة المعنية بالحد من الإمدادات يمكن تمديدها مرة أخرى إلى ما بعد نهاية عام 2018.
والانسحاب المفاجئ عن حدود الإنتاج، والزيادة بواقع 1.5 مليون برميل يومياً، والتي سبق أن اقتُطعت، قد لا يسببان التراجع الحاد في الأسعار خلال هذا العام، ولكن من شأنهما أن يتسببا في ذلك قطعاً في عام 2019. وتستند المملكة العربية السعودية في ميزانيتها الكبيرة الجديدة إلى سعر خام برنت بواقع 60 دولاراً للبرميل، ولكن حتى ذلك من شأنه أن يخلف عجزاً بنسبة كبيرة تقدَّر بنحو 7.6 نقطة مئوية من الناتج المحلي السعودي الإجمالي، وذلك وفقاً لتقديرات «بنك جدوى الاستثماري». ولن يستقر التوازن إلا عند مستوى 81 دولاراً للبرميل.
ويملك بعض الملتزمين، مثل السعودية وروسيا، المقدرة على زيادة الإنتاج بشكل كبير من حقول الإنتاج الحالية. وتخطط الرياض ذاتها للوصول إلى مستوى 11 مليون برميل يومياً بحلول عام 2023، ارتفاعاً من مستوى 10 ملايين برميل يومياً الحالي. وهناك جهات أخرى، مثل العراق والإمارات، تعمل على توسيع النطاق، ومن شأن إيران أن تتبع خطاهما في خاتمة المطاف كذلك، إن لم تغادر المسار الحالي مرة أخرى بسبب الاضطرابات السياسية أو العقوبات الاقتصادية. وهناك جهات أخرى في حالة من الهبوط البطيء، مثل قطر والجزائر، أو حالة من الهبوط السريع كما هو الحال لدى فنزويلا. وسوف يتطلب الأمر المزيد من الانضباط لدى الدول الأعضاء على مسار زيادة الإنتاج ببطء، وصولاً إلى بعض الأهداف المتوسطة. وعلى الأرجح، سوف يكون هناك اندفاع نحو المخارج.
ولكن هل ينبغي على المنظمة البدء في العمل على استراتيجية الخروج على الإطلاق، عندما لا يزال النصر غير معلوم؟ تختلف الآراء على نطاق كبير بشأن ما يشكل ماهية التوازن. تتطلع «أوبك» إلى زيادة النمو بواقع مليون برميل يومياً خلال العام الحالي، مع إنتاج نحو 700 ألف برميل منها لدى الولايات المتحدة. وتدعو وكالة الطاقة الدولية إلى الزيادة بواقع 1.6 مليون برميل يومياً، مع المساهمة الأميركية بواقع 870 ألف برميل منها. ولكن إن ظلت الأسعار على ارتفاعها، فإن توقعات وكالة الطاقة الدولية سوف تكون محافظة بعض الشيء. وتقدر شركة «رايستاد» الاستشارية للطاقة، النمو بواقع 1.9 مليون برميل يومياً، مع 1.6 مليون برميل منها من الولايات المتحدة. وتسمح أسعار النفط المرتفعة اليوم لمنتجي النفط الصخري بالتحوط وإغلاق برامج الحفر. ومن شأن التكاليف أن ترتفع حتمياً مع زيادة النشاط، وهناك الكثير من الحديث حول الانضباط الرأسمالي الجديد، ولكن الأسعار أعلى من 60 دولاراً للبرميل توفر الأرباح والنمو لكل الأطراف.
وترى منظمة «أوبك» ارتفاع الطلب بواقع 1.53 مليون برميل يومياً، بانخفاض طفيف عن الطلب القوي في عام 2017 بواقع 1.7 مليون برميل يومياً، في حين أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع الارتفاع بواقع 1.3 مليون برميل يومياً فقط. ويؤدي تقريب وجهات النظر المتناقضة بشأن العرض والطلب إلى فارق ما بين الوكالتين بواقع 800 ألف برميل يومياً. ومن المتوقع بشكل طبيعي الوصول إلى الارتفاع بواقع 15 نقطة مئوية في الأسعار، في أعقاب المكاسب المحققة بنسبة 74% لعام 2016، وأن يؤدي إلى انخفاض في الطلب بصورة كبيرة. ويشكل التباطؤ الاقتصادي الصيني تهديداً جديداً. ومع ذلك، ترى وكالة الطاقة الدولية صعوبة في انخفاض المخزونات في عام 2018، في حين أن «أوبك» تعتقد أن تعود المخزونات إلى متوسط السنوات الخمس بحلول نهاية العام، رغم أن هذا الرقم قد تضخم بسبب تاريخ المخزونات الفائضة مؤخراً.
وهناك سرد أكثر معقولية من توقعات «أوبك» بشأن العودة المدروسة للتوازن على النحو التالي: ضعف الطلب في النصف الأول لعام 2018، يقابله ارتفاع في إنتاج النفط الصخري الأميركي، مع استمرار آثار ارتفاع الأسعار وزيادة التحوط. ولكنّ هذا الأمر مخفيٌّ بانهيار فنزويلا البطيء إثر تراجع صادراتها، وبسبب الاضطرابات المستمرة في ليبيا ونيجيريا وغيرها من دول الإنتاج القوية، على غرار انهيار خط أنابيب فورتيز الأخير في بحر الشمال.


وهناك حالة ألفة وصداقة تجمع بين وزيري النفط السعودي والروسي، وروسيا تشعر بأن صفقة «أوبك» قد حققت أهدافها.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»