علي أحمد البغلي

 في الستينات والسبعينات من القرن العشرين كنا نتباهى أمام أشقائنا وجيراننا، وحتى الدول العربية الأخرى، برقي مركز مدينتنا او city center، وكان مركز مدينتنا المزدهر يتمثل في شارع فهد السالم.. وكلنا يتذكر البطاقات البريدية الملونة التي تصور ذلك الشارع الذي يضج بالبهجة والحياة والحركة والتألق (وفق معايير ذلك الزمان)، من عمارة ثنيان الغانم، حيث معرض سيارات الرولز رويس، ومبنى وزارة المالية مقابلها، ثم العمارات المزدهرة بمحال البيع والشراء لكل ما يخطر على بال.. وكل جيلنا ومن جاء بعدنا يتذكر مطعم «أبو نواس» الذي أذاقنا أكلة شطيرة الهمبرغر لأول مرة بحياتنا! وموفق جبري، حيث استلذذنا بالحلويات العربية.. وبوظة توفيق، على مفرق شارعَي فهد السالم، وعلي السالم.. كل هذه الذكريات وغيرها تمر في ذهني وأنا بسيارتي يومياً آتياً من المنزل إلى المكتب.
* * *
ولا أتمالك من أن أرثي لحالي ولنفسي ما آل إليه هذا الشارع والشوارع المحيطة.. فأكبر عمارة فيه (أنوار الصباح)، ومنذ سنوات، محالها مغلقة، ينعق فيها البوم والخراب، وكأننا لسنا في قلب مدينة الكويت الزاهرة بأهلها، إن شاء الله! وكذلك العمارات المقابلة لتلك العمارة العملاقة، أخليت من ساكنيها ودكاكينها منذ سنوات وما زالت خرابا يبابا!
وإن سكتنا على مضض لأن تلك العقارات هي ملكيات خاصة، لا ندري سبب عزوف ملاكها عن إعادة تعميرها، أو المشاكل التي يواجهونها مع البلدية، مثلا، أو جهات رسمية تنظيمية أخرى، فلا نستطيع أن نسكت عن عقارات هي تابعة لأملاك الدولة ووزاراتها المختلفة، حيث ما زالت يبابا خرابا أيضاً لسبب غير معروف وغير مفهوم وغير منطقي.. ومن هذه العقارات مدرسة عائشة الابتدائية، التي تقع خلف شارع فهد السالم، وعلى شارع عبد العزيز الصقر. وهذه المدرسة تتلمذت فيها سيدات كويتيات وعربيات فاضلات هن جدات وأمهات هذا الجيل.. وقد أغلقت أبوابها منذ أكثر من عقدين، لكنها ما زالت عصية على التعمير أو التغيير.. هذه المدرسة أعادتني للوراء ربع قرن، عندما كنت أشتغل بعضوية مجلس الأمة من أوائل إلى منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث جلس بجانبي المرحوم الدكتور أحمد الربعي، وزير التربية حينئذ، فتجاذبت أطراف الحديث مع أبو قتيبة، وكان النقاش الدائر في المجلس مملا بدرجة كبيرة.. فاقترح علي الربعي، أن أحضر معه حفلة موسيقية! فاستحسنت الفكرة، ولكني سألته: بس وين؟! أجابني بأن المكان يبعد خطوات عن المجلس! وفعلا أخذني إلى مدرسة عائشة التي كانت حينئذ مركزا للتفتيش الموسيقي لوزارة التربية، عندما كانت وزارة التربية لا تخشى أو تخضع أو تخنع لصرخة نائب غاضب! وفعلا ذهبنا إلى هناك.. الوزير والنائب، ورحبوا بنا ترحيباً حاراً، واستمتعنا بمعزوفات موسيقية وأغان أداها طلبة وأساتذة موهوبون وموهوبات، رحمك الله يا أبا قتيبة.. وما أعذب وأروع تلك الأيام.
وزارة التربية هجرت مدرسة عائشة لربما تحت صراخ «إن الموسيقى حرام»! وباقي كليشهات التحريم والمنع التي أرجعت مجتمعنا الى الوراء عقودا طويلة إن لم يكن قرونا!
الآن مدرسة عائشة مبنى مهجور، تملكه الحكومة الرشيدة ولم تعمل على تطويره او إعادة تشييده.. مبنى مركزي استراتيجي يساوي الملايين تعجز الحكومة الرشيدة عن تطويره لكي يذهب حلالاً بلالاً لأصحاب الملايين!
هذا غيض من فيض ما آلت إليه أحوال شانزليزيه الكويت القديمة وما حولها!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.