عقل العقل

 من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي لا تخطئ عينه أن هناك حملات منظمة، سواء من الداخل أم الخارج، ضد الأنشطة الترفيهية التي تنظمها هيئة الترفيه، وأتذكر ما أثير قبل أسابيع حول إحدى فعاليتها في إحدى المناطق، إذ ذكر في المواقع الإلكترونية أن أبناء تلك المنطقة هاجموا منظمي الفعالية الترفيهية، وأن ذلك السلوك المضاد يعبر عن رفض المجتمع للانفتاح والتغير، وفي النهاية أصدرت «هيئة الترفيه» بياناً عن ملابسات تلك الفعالية، وأوضحت أن تلك الصور هي لبعض الحضور الذين أصروا على عدم الخروج من البوابات المحددة.

باعتقادي أن هناك جماعات ليست بعيدة عن جماعة «التوظيف السياسي» لكل حدث في المملكة، حتى لو كان في مجال الترفيه، حتى أننا نجد ما يتناقل في بعض مواقع التواصل الاجتماعي موضوع نقاشات في بعض القنوات التلفزيونية، مثل قناة الجزيرة، التي تهول وتولول على ما تسميه «الانفلات الأخلاقي» في المملكة، والغريب أنها لا تلتفت إلى ما يجرى حولها من فعاليات مماثلة.

قطار الفرح والتغير في مجتمعنا انطلق على رغم جماعة «لكن»، والتي بدأت تلعب على مصطلح «القيم المحلية» وكأنها في خطر جراء حفلات موسيقية وغنائية أو مسرحية هنا أو هناك، وبدؤوا يرددون اسطوانتهم المشروخة التي رددوها عشرات السنين، مرة بالخوف من التغريب، ومرات كثيرة أن الفرح يتصادم مع الدين، وكأننا الوحيدين في العالم المسلمين الأتقياء، ولا نشاهد بليون ونصف البليون مسلم في العالم وفي دول إسلامية يوجد فيها كل هذه الفعاليات من سينما وموسيقى ومسرح. الغريب أن هؤلاء يزعجوننا بحضورهم لتلك الفعاليات في تلك الدول، ولكنهم يعارضونها في الداخل.

لقد ولت تلك المرحلة إلى غير رجعة، فلن يتفسخ المجتمع إذا كان مؤمناً بقيمه بقناعات ثابتة وقوية، من فعاليات الفرح ورجوع المجتمع إلى طبيعته الإنسانية قبل اختطافه من هذه الجماعات، كم هو جميل أن تحضر المرأة السعودية في الملاعب مشجعة، وقريباً ستكون مشاركة في بعض الألعاب، وقد جهزت تلك الملاعب بتنظيمات يقوم عليها نساء في هذه الفعاليات ولم يحدث انفلات كما هم يتمنون في دواخلهم ليس لحفظ المنظومة الاجتماعية، ولكن لإحراج الجهات الرسمية.

أتمنى ألا ننجر إلى خلق عقد اجتماعية جديدة في مسيرة الترفيه والانطلاق إلى الفضاء الاجتماعي، إذ لاحظت في الآونة الأخيرة تنظيم حفلات موسيقية ومسرحيات بعضها للرجال وأخرى للنساء، فسياسة الفصل التي عانى منها المجتمع يجب ألا نعود لها تحت أية ذرائع، والأنظمة والقوانين إذا طبقت على الجميع كفيلة بضبط الوضع كما في كل دول العالم.

البعض يطرح في معارضته للترفيه قضايا مفخخة، وتجدهم يتساءلون أن هناك أولويات يحتاجها المجتمع أكثر أهمية من فعاليات ترفيهية، مثلاً يطالبون بإيجاد سكن وخدمات صحية وتعليمية مميزة، وهذه مطالب مشروعة، ولكن دسها في هذا السياق هو لأهداف خفية، فكثير من المجتمعات يوجد بها كثير من المشكلات، ولكنها خلقت من الترفيه صناعة جذبت لها مداخيل اقتصادية هائلة، ولنا في السينما الهندية مثالاً حياً على ذلك.