سمير عطا الله

 بين الأقلام الأكثر شهرة في بريطانيا بعد شكسبير، أغاثا كريستي، وآرثر كونان دويل، وإيان فليمنغ.

بطل كريستي، البلجيكي بوارو، وبطل دويل، البريطاني شرلوك هولمز، كانا يحلان الجرائم الصعبة، لا يعصى عليهما قاتل مهما بلغت براعته. وكان دويل وكريستي يحرصان على أن تثار شكوك حول الجميع إلا القاتل الحقيقي لكي يستمر التشويق حتى اللحظة الأخيرة.
لا بد أن تلاحظ أن الرواية البوليسية ازدهرت قبل عصر الكهرباء والأضواء حيث كان ممكناً للمرتكب أن يتسلل ويتخفى ويهرب بسهولة. بهت عصر الجريمة في أدب التشويق وحل محله الشرطي السري المتفوق، مثل العميل 007، أو المستر بوند، جيمس بوند، الذي اخترعه إيان فليمنغ، من سنوات تجاربه في استخبارات البحرية البريطانية. وكان بوند، جيمس بوند، نتاج صراع الجواسيس في الحرب الباردة، وهو، بعكس المذنب في الروايات البوليسية، البطل المعروف منذ اللحظة الأولى، وكذلك غريمه الذي سوف يهزمه في نهاية المطاف، هزيمة يصفق لها الجمهور.
أحد الذين كانوا يدمنون على قراءة كريستي ودويل، كان الشاعر دبليو ايتش أودن. لم يكن يترك رواية من هذا النوع إلا ويقرأها. وكان يحلو له أن يسجل لنفسه المقدرة على معرفة الفاعل سابقاً برغم كل تمويهات التأليف. لكن كتابات التشويق لم تتحول إلى أدب، لا عند أودن ولا عند سواه. إنه لا يذكر أنه أعاد قراءة أي عمل من هذا النوع، فهو ليس فناً ولا أدباً، ليس شعراً ولا رواية تعود إليها على مر السنين، وتحفظ منها ما تحفظ وتقرأ عنها الدراسات والنقد طوال السنين.
لا يزال هذا النوع من التأليف مزدهراً وسريع الانتشار. ولا يزال جون لو كاريه يبيع ملايين النسخ. ولكن أحداً لم يحاول أن يضع هذه الظاهرة في تصنيف أدبي. لا مرتبة تقديرية كالتي حفرها لنفسه جورج أورويل أو صامويل بيكت أو جيمس جويس. إنك لا ترى كتب التشويق حتى على لوائح الكتب الأكثر مبيعاً، برغم أن لها جناحاً ضخماً في المكتبات نفسها.
في كتاب عن كلية فيكتوريا في مصر، اكتشفت أن الملك حسين كان من قراء الفرنسي أرسين لوبين. وكنت قد أقبلت على قراءته يافعاً بناء لاقتراح عمي شقيق أبي، وهو رجل بسيط القراءات. أي إن ذلك النوع من الرواية المشوقة كان يجتذب الشبان من جميع الأوساط. ولا يزال.
غير أن المؤلفين قد تغيروا، وعالم الحدث، وكذلك الأشخاص، أبطالاً وشرّيرين. وإن يكن العرب قد أقبلوا على هذا النوع من الأعمال كقراء، فقد ظلوا بعيدين عنه كتّاباً. وحتى ناشرين.