خالد بن حمد المالك

في الحروب والصراعات الدموية تبدو غالباً كما لو أنها عبثية وبلا هدف، وقد تأتي من مستصغر الشرر، أعني بالقول أو التحرش غير المخطط لها، ليتطور الأمر إلى حرب مستعرة، وقتال دموي لا يفرق بين عدو وصديق، ومصداق ذلك القول (إن هذا أو ذاك قُتل بنيران صديقة)!

* *

أحياناً يتساءل المرء: هل من فرصة لوقف مثل هذا القتال دون مزيد من الدماء وكثير من الخسائر، ومن غير أن تمتد الحروب إلى مواقع أخرى، وإلى تباين في المواقف بين مؤيد وشريك داعم ومساند، وبين رافض أو محايد دون أن تكون له حيلة في إطفاء لهيب المعارك الدامية.

* *

ولأن التاريخ، وفي كل العصور، لايدلّنا على أن هناك إنكاراً لما هو منكَر من الاقتتال بين الدول والمجتمعات، أو أنه فتح لنا صفحة بيضاء غير مسودة بالدمار والقتلى، فإننا لا نقطع القول بثقة وعن معرفة حقيقية بأن حقبة من الزمن قد سادها الوئام والحب وتجنب الصراعات، بما يجعلنا قادرين لأن نكون على موعد نودع فيه سنوات الغضب والغليان، ولا نكرر الانتحار بمثل هذه الحروب.

* *

لكن ما يحدث الآن من جرائم حرب، يقودها مجرمون وقتلة، وتمولها دول من عينة إيران بنزعتها الإرهابية، هي إفرازات لطموحات وأطماع، وأحياناً تكون بفعل الجهل وتخيلات عقدية، ما يعني أن ثقافة الشعوب يجب أن تتحرر من الخزعبلات والخرافات والأوهام، والأيدلوجية والدينية والتقاليد البالية.

* *

لنسأل أنفسنا بتجرد: ما الذي أفاده ما سُمّي بالربيع العربي لسوريا وليبيا وتونس ومصر لشعوبها، غير الدمار والقتل، وماذا لو واصل هذا المسلسل (السرطاني) وعبث بدول عربية أخرى مستقرة، هل سيكون حالها اليوم غير حال الدول التي اكتوت بهذا الجحيم الذي نال كل شيء فيها؟!

* *

هل هناك من عاقل أو رشيد بيننا يكون صوته هو الأعلى والأقوى والأمضى من هدير الطائرات وأصوات نيران المدفعيات وراجمات الصواريخ، ومتى يأتي هذا الصوت وتتجاوب معه الشعوب، وتنتهي إلى الأبد هذه المظاهر العدوانية، وهذا القتل بدم بارد، وكأن القتلة لا يجدون متعتهم إلا بمثل مشاهدة هذه الأنهار المتدفقة من الدماء البريئة.

* *

ويلنا من القادم، إن استسلمنا لعدونا، ووقفنا موقف المتفرج مما يخططه لنا، وقبلنا بما يدبّر من عدوان ومساس باستقرارنا، ويلنا إن لم تنهض الأمم لتقوم بمسؤولياتها وأدوارها، وما لم تكن الشعوب في وضع القادر على الدفاع عن مكتسباتها بالقوة المهابة، ففي أجوائنا ليس غيماً فحسب، وإنما هناك غمامة حالكة السواد، تكاد تعمي أنظارنا عن المشهد المأساوي الذي هو كما يبدو قدرنا في هذا الزمن وربما في المستقبل.

* *

نريد أن نتصالح مع بعض، ولكن كيف، وبعض شعوبنا، بل وبعض مسؤولي هذه الأمة غافلون عن المخططات التي تتآمر علينا، سادرون في جهلهم عن الأزمات التي تحيط بهم من كل صوب وحدب، لاهون عن أبسط حقوقهم في الدفع عن دولهم، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثل هذه المواقف المتخاذلة، إلا أن يكون تشخيصنا ليس في محله الصحيح.

* *

هذا ليس جلداً للذات العربية، أو مبالغة في وصف الحالة التي يمر بها عالمنا العربي، وإنما هو توصيف شخصي متواضع ومبسط لوضع دولنا، وربما لو أننا دخلنا في التفاصيل لكان الوصف أسوأ، إلا إذا كنا نريد أن نتعامى عن أهم ما يجري حولنا من مآسي، ونغض الطرف عن كل ما يشكل هذا الوضع المأساوي في دولنا وشعوبنا، وبالتالي نفوت الفرصة في البحث عن مخرج أمن بدلاً من النفق المظلم الذي تمر به دولنا.