فتحـى محمـود

اقتصر نشاط ائتلاف «دعم مصر» منذ تشكيله على النشاط البرلمانى باعتباره يضم مجموعة من النواب المستقلين والحزبيين الذين تجمعوا فى تشكيل واحد تحت قبة البرلمان وفقا للمادة 94 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب التى تنص على «مع عدم الإخلال بالانتماء الحزبى أو المستقل لعضو مجلس النواب، يجوز فى كل فصل تشريعى لكل عضو مستقل ولكل حزب حاصل على مقاعد فى المجلس الاتفاق على تشكيل ائتلافات برلمانية فيما بينهم، وفقا للتنظيم الوارد فى هذه اللائحة، وطبقا للتفاهمات والاتفاقات السياسية المعقودة فى هذا الشأن.»

وكانت البداية على يد مؤسسه الراحل اللواء سامح سيف اليزل من خلال الدفع بعدد من المرشحين علي القوائم والمقاعد الفردية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفى مايو 2016 وافق مجلس النواب على تدشين أول ائتلاف برلمانى يضم 315 نائبا تحت مسمى «ائتلاف دعم مصر»، ليمثل الأغلبية داخل البرلمان.

لكن فى الفترة الأخيرة قام الائتلاف بزعامة المهندس محمد السويدى بنقلة نوعية مهمة، تمثلت فى انتقال نشاطه من تحت قبة البرلمان إلى الشارع، وافتتح عدة مقار له بالمحافظات إلى جانب عقد عدد كبير من المؤتمرات الجماهيرية فى مناطق مختلفة على هامش الحملات الانتخابية لانتخابات الرئاسة، وشارك فى ندوات «الشباب وبناء الدولة» التى شهدتها بعض الجامعات.

وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات كثيرة، من حيث المضمون والتوقيت، فالهدف من إنشاء الائتلاف كان وجود كتلة نيابية تمثل الأغلبية تحت القبة فى ظل عجز الأحزاب السياسية عن حصول أي منها على أغلبية بالبرلمان، وحتى لا يتحول مجلس النواب إلى مجموعات صغيرة متناثرة لا يوجد بينها أى تنسيق مما يؤدى إلى مشكلات عديدة ويعرقل العمل البرلمانى.

وهو أمر يختلف بالطبع عن العمل الحزبى الذى يعتمد بالأساس على الانتشار فى الشارع وسط الجماهير، وقد رد المهندس محمد السويدي رئيس ائتلاف دعم مصر على ذلك بالقول إن الائتلاف عمل على إنشاء مقار بالمحافظات لتمكين أعضاء الائتلاف من ممارسة دورهم الإيجابي في خدمة الدولة والمواطن، مشيرا إلى أن ائتلاف الأغلبية يمارس دورة كحزب في الشارع المصرى، موضحا أنه يتم الإنفاق على الائتلاف من ميزانية أعضائه، ومن خلال إنشائهم مقار في محافظاتهم والعمل على خدمة المواطن المصرى.

لكن فى الحقيقة لا يمكن فصل هذا الأمر عما يجرى فى الحياة الحزبية والشارع السياسى فى مصر، فقد أثبتت أحداث كثيرة أن الحياة الحزبية تعانى ضعفا شديدا، لا يتناسب مع العدد الضخم من الأحزاب المسجل رسميا، ومن أهم أسباب هذه الظاهرة السلبية ــ فى تصورى ــ حالة التشرذم التى تعانيها الأحزاب، وعدم وجود أحزاب كبيرة تستطيع استيعاب الشارع السياسى.

فهناك سمة محددة صاحبت التجارب الحزبية المعروفة فى تاريخ مصر، وهى وجود حزب أغلبية كبير ومجموعة من الأحزاب الصغيرة، حدث ذلك فى التجربة الحزبية الأولى التى عرفتها مصر (1907 ــ 1914) حيث كان الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل هو الأكثر تأثيرا وصدرت عنه صحف متعددة سببت ضيقا شديدا للاحتلال البريطانى، وبجانبه حزب الأمة الذى يعد أحمد لطفى السيد هو زعيمه الفكرى، وحزب الإصلاح الذى قاده الشيخ على يوسف، وانتهت هذه التجربة باندلاع الحرب العالمية الأولى.

وفى التجربة الحزبية الثانية (1919 ــ 1953) كان حزب الوفد هو الحزب الأكبر صاحب الأغلبية فى الشارع مع عدة أحزاب منشقة عنه أو صغيرة غير مؤثرة يحرك بعضها القصر الملكى أو الاحتلال البريطانى، وجاءت التجربة الحزبية الثالثة (1977 ــ 2011) ليكون الحزب الوطنى بزعامة حسنى مبارك هو الحزب الكبير صاحب الأغلبية مع مجموعة أحزاب صغيرة.

ومنذ ثورة 25 يناير وحتى الآن لم تشهد مصر حزب أغلبية كبيرا يستطيع احتواء الشارع السياسى، ومع عودة الاستقرار وتثبيت دعائم الدولة برزت أهمية وجود ظهير سياسى للرئيس عبد الفتاح السيسى يدعم الظهير الشعبى والوطنى الذى سانده خلال السنوات الأخيرة، ويمثل حزب أغلبية كبيرة يستطيع بث الحيوية والنشاط فى الحياة الحزبية والشارع السياسى فى مصر، وخاصة أن وجود فراغ حزبى أو سياسى يمكن أن يتيح الفرصة لتيارات متطرفة لملء هذا الفراغ.

لقد لعب البرلمان دور الظهير السياسى الفترة الماضية من خلال ائتلاف دعم مصر. لكن المرحلة المقبلة تتطلب أن يكون الظهير الآن فى الشارع، لتلمس نبض الجماهير والتفاعل معها، وقطع الطريق على أى تيارات متطرفة، وليكون هذا الظهير حلقة الوصل بين المواطن والدولة والعكس، خاصة مع اهتمام الائتلاف بالشباب الذين يمثلون غالبية الشعب المصرى الآن، وهو الاهتمام الذى تجلى فى تولى الدكتورة جهاد عامر ملف تمكين مشاركة الشباب فى الهيئة الاستشارية للائتلاف، التى تعمل على هذا الملف بأسلوب علمى وعملى منذ سنوات، وحققت فيه نجاحا كبيرا على المستوى القومى.

إن تحول ائتلاف دعم مصر إلى حزب لم يعد مجرد اقتراح مطروح ضمن بدائل متعددة، لكنه أضحى ضرورة من أجل تنشيط الشارع السياسى والحزبى لمواجهة التحديات الكثيرة الحالية، وكظهير سياسى للدولة يحقق التناغم بين الشعب والقيادة.

> كلمات:

اجعلها عادةً كلّ ليلة ألّا تنام إلّا إذا استطعت أن تجعل شخصاً واحداً ممّن قابلت ذلك اليوم: أحكم، أو أسعد، أو أفضل.

(تشارلز كينجزلى)