عزمي عاشور 

إدراج وزارة الخارجية الأميركية حركتي «حسم» و «لواء الثورة» المرتبطتين بجماعة «الإخوان المسلمين» ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، هل يكون بداية لتخلي واشنطن عن سياساتها في عهد أوباما بترويج مقولة إن «الإخوان» يمثلون الإسلام المعتدل. لقد كان من نتائج أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أن زادت أعداد دارسي منطقة الشرق الأوسط الذين ركّزوا في دراستهم على التنظيمات الدينية، والتي كان على رأسها إخوان مصر. وافتقد معظم هؤلاء الرؤية الكاملة وارتدوا نظارة لا ترى غير «الإخوان المسلمين» في هذه المجتمعات وما عداها لا يحسب له اعتبار، سواء من المعارضة أو من نظم الحكم.

وبدأ يسطع على يد هؤلاء اسم «الإخوان» في ضوء سلبيات الحكم والانسداد السياسي في مصر وغيرها قبل 2011، فظهر الإسلاميون في شكلهم التنظيمي بحجم أكبر من قدراتهم، ونالوا من هذه الوضعية مزايا في الداخل والخارج على حد سواء، فأصبحوا في نظر المراقبين المعارضة الحقيقية.

وفي الداخل، أخلى الانسداد السياسي والسعي إلى التوريث الساحة السياسية من منافسين حقيقيين باستثناء تنظيم «الإخوان» الذي ينمو ويزدهر في مثل هذه الظروف السياسية. ومن هنا حصدوا، على وقع المظلومية السياسية التي روّجت لها مراكز بحثية، مكاسب كثيرة، من بينها أنهم معارضة معتدلة. واستمرت هذه القناعة لدى واشنطن من دون النظر إلى أبعد من ذلك، لكون «الإخوان» كتنظيم ديني يأخذ غطاءً سياسياً يرتبط بمتلازمة الاستبداد أكثر من ارتباطه بقيم الديموقراطية والحريات.

ونظراً لحالة الشوفينية التي أعمت الإدارات الأميركية والمراكز البحثية المتخصصة بنظرتهم إلى الديموقراطية على أنها عملية انتخابية فقط، فقد عجزوا عن رؤية الصورة الحقيقية للتفاعلات التي تحدث في مصر، في السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة يناير، والتي ظهرت فيها القوى والتفاعلات السياسية بحالة من الفوران والهيجان للدرجة التي كان من الصعب تبين الزبَد فيها مما هو حقيقي. وبدا المجتمع المصري في حالة من التشتت وعدم التمييز بين الحقائق والأباطيل، خصوصاً بعد ظهور الإسلاميين بتنويعاتهم في ميدان التحرير في القاهرة في ما سميّ «جمعة قندهار» في صيف 2011، وخروجهم إلى الواجهة للمطالبة بنصيب في كعكة الحكم بعد ذهاب عصر مبارك. وهنا بدأت مؤسسات الدولة العميقة تلاعب قوى عدوة لكيان الدولة المدنية، فكانت لعبة الانتخابات والديموقراطية هي الحل الوسط بين الفريقين ليقترب الاثنان معاً إلى المواجهة الحقيقة على أرض الواقع.

وهكذا فاز الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية، وهو ما قوبل برد فعل مضاد في المجتمع ظهر أثره مباشرة في الانتخابات الرئاسية، بعدما فاز مرشح «الإخوان» بالكاد في مواجهة مرشح الدولة التي أسقطتها الثورة. وهي الرسالة التي عجز عن قراءتها «الإخوان» في مصر والأميركيون في الخارج والقوى الثورية في الداخل، بأن مصر ليست كل هذا الزخم الذي أعقب سقوط نظام مبارك.

فإذا كان هناك ثلاثة ملايين خرجوا في ثورة يناير، فهناك عشرات الملايين من الممكن أن يقلبوا المعادلة لمصلحة مَن يريدون أن يحكمهم. وهو ما حدث في سنة حكم «الإخوان» الذين ظهروا وكأنهم كانوا الزبَد الذي يظهر على سطح الماء ويذهب بمجرد أن ينتهي فوران تدفقه. فلم تتوقف التظاهرات وعمليات الحشد ضد مَن يقدمون أنفسهم وكأنهم جاؤوا بدينٍ جديد للمصريين المتدينين بفطرتهم، فوجدوا فئة تقف فوق رؤوسهم تقدم إليهم الدين بطريقة مثيرة للسخرية. وظهر مَن يروجون لهم في الغرب على اعتبارهم الإسلاميين المعتدلين في نظر المصريين، برغم أنهم كانوا يريدون تحويل الدولة المدنية إلى دولة دينية متطرفة تسير على نهج التاريخ الأسود لتنظيمهم المتطرف الذي مارس الإرهاب منذ نشأته عام 1928، سواء ممن ينتمون إليه أو في شكل الجماعات التي خرجت من عباءته.

فمعضلة هؤلاء لمتخصصين أنهم ينظرون إليهم من خلال تفاعلاتهم السياسية فقط، ويغفلون المضمون والأدبيات الخاصة بهم التي تشكل عقولهم وتفرغ العنف والتطرف. فكان طبيعياً أن تكون انتفاضة المصريين ليس ضد «الإخوان» فقط وإنما ضد من دعموهم خارجياً. والتطرف تتعدد أسبابه إلا أن صلبه الأساسي يبقى كامناً في ما تشكل أفكار هذه التنظيمات، وعلى رأسها الإخوان المسلمين التنظيم الأم، فهي بمضمونها التفسيري للدين خلقت وزرعت التطرف بدرجات متفاوتة في عقول الشباب، فجزء كبير من المؤثرين داخل الجماعات الإسلامية الجهادية، ثم بعد ذلك «القاعدة» وأخيراً «داعش» شرب من أفكار الإخوان، وعندما احترق أكثر من سبعين كنسية في مصر آب (أغسطس) 2013 في يوم واحد بأيدي «الإخوان» والمنتمين إليهم ظهروا على حقيقتهم التي يحاولون أن يخفوها على الجميع الآن.

الإسلام المعتدل تؤكده شواهد التاريخ في طريقة تدين المصريين المتميزة عن غيرها ونهج مؤسسة الأزهر، أقدم جامعة في العالم، وليس في جماعة تزرع الكراهية والحقد والعنصرية في عقول الشباب تجاه مجتمعاتهم ومَن يختلف دينياً معهم. نعم، إنها الكذبة التي أطلقوها ثم صدّقوها. نعم، هي ليست جماعة معتدلة، بل هي تنظيم يتبنى العنف والإرهاب.