محمد السعيد إدريس

عاد الأمريكيون عسكرياً إلى العراق بعد انسحابهم منه نهاية عام 2011، وكان المبرر أو الدافع لهذه العودة، هو القتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي استطاع أن يوسع نفوذه بقوة في العراق وسوريا، ويعلن عن تأسيس ما يسمى«دولة الخلافة الإسلامية» من الموصل، في يونيو 2014. 

فقد تزعم الأمريكيون تحالفاً دولياً لتحرير العراق من «داعش»، وبغض النظر عن تقييم الدور الأمريكي في هذه الحرب، وما يروج عن العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بهذا التنظيم الإرهابي، فإن الولايات المتحدة ربطت وجودها الجديد في العراق بالقتال ضد «داعش»، وهذا ما أكدته الحكومة العراقية ورئيسها حيدر العبادي؛ لذلك كان السؤال الأهم الذي فرض نفسه مباشرة في العراق وخارجه عقب الإعلان العراقي الرسمي عن هزيمة التنظيم على لسان العبادي، في الثامن من ديسمبر هو: متى سيخرج الأمريكيون من العراق؟ لم يكن الأمريكيون بعيدين عن معنى تردد هذا السؤال بكثافة في الأوساط العراقية، مع اقتراب هزيمة «داعش» في الموصل؛ لذلك بادر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في زيارته الأولى للعراق (20 فبراير 2017)، بتأكيد أمرين؛ أولهما: أن «الجيش الأمريكي ليس في العراق للاستيلاء على نفطه»، وكان حريصاً على تصحيح ما كان قد ورد على لسان رئيسه دونالد ترامب، من تصريحات أثارت غضب العراقيين، وكان قد تحدث فيها عن حقوق للأمريكيين في نفط العراق، وانتقد بشدة قرار سلفه الرئيس السابق باراك أوباما بالانسحاب من العراق. 

أما الأمر الثاني فكان تأكيد «دعم بلاده الكامل للعراق في حربه على الإرهاب وفي مجالات أخرى»، وزاد موضحاً: «مجيئنا من أجل دعم العراق وتأكيد استمرار العلاقة، والدعم بعد «داعش». هذا يعني أن ماتيس كان حريصاً على إعلان أن هناك أموراً أخرى، غير «داعش»، تفرض الوجود العسكري الأمريكي، وأن هذا الوجود سيستمر بعد ذلك. 

ما لم يفصح عنه الأمريكيون صراحة، خاصة بعد إعلان الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة هو الإصرار على الوجود العسكري والنفوذ السياسي في العراق وسوريا، بعد أن باتت إيران مصدراً لتهديد الأمن القومي الأمريكي، جنباً إلى جنب مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية كمصادر لتهديد هذا الأمن. 

فالواضح أن الولايات المتحدة تعمل الآن بعد هزيمة «داعش» في الموصل، وفق ثنائية: محاربة ما تبقى من تنظيم «داعش» والتنظيمات القريبة منه، وتحجيم النفوذ الإيراني للحد من تهديداته المتزايدة، على الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة.
إذا كانت هذه هي حقيقة النوايا الأمريكية، فإن إيران وحلفاءها في العراق يدركون هذه الحقيقة وخطورتها على العراق، وعلى النفوذ والمصالح الإيرانية، لذلك كان التوجه نحو تفجير قضية الوجود العسكري الأمريكي في العراق، والمطالبة برحيل الأمريكيين اعتماداً على أن هذا الوجود مرتبط بالحرب ضد الإرهاب. 

جاءت البداية من فصائل تابعة للحشد الشعبي، وامتدت إلى البرلمان العراقي، ثم دخلت إيران المواجهة مباشرة بتصريحات علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني في زيارته للعراق (17 فبراير 2018)، التي طالب فيها خلال مؤتمره المشترك مع نوري المالكي، نائب الرئيس العراقي والمنافس القوي لرئيس الحكومة حيدر العبادي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ما سمّاها «جبهة المقاومة الإسلامية» بأن تحول دون انتشار القوات الأمريكية تدريجياً في شرقي الفرات، وهو يقصد هنا الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق. 

وقال عقب لقائه مع إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي، إن «أمريكا هي أهم مشكلة في الشرق الأوسط»، وإن «إيران والعراق وسوريا، من خلال تعاونهما المستمر، لن تسمح للأمريكيين بالنفوذ في مناطق يقطنها الأكراد»، وهو يعني التركز العسكري الأمريكي في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية، شرقي نهر الفرات في سوريا، ووجودها في كردستان العراق.

حلفاء إيران في العراق، وخاصة بعض فصائل «الحشد الشعبي» اعتبروا أن تصريحات ولايتي «تحمل ضوءاً أخضر إيرانياً، لخوض مواجهة مع الأمريكيين». وهذا ما دفع إلى التساؤل: هل ستقع هذه المواجهة، وهل يمكن أن يدخل «الحشد الشعبي» في معركة مقاومة للوجود العسكري الأمريكي في العراق؟ وكيف ستؤثر أجواء الانتخابات العراقية على هذا الاحتمال سلباً أو إيجاباً؟ خصوصاً بعد حدوث مفارقة انتخابية كبرى، بدخول «تحالف الفتح» الذي يضم فصائل في «الحشد الشعبي» شريكاً في «تحالف النصر» الذي يتزعمه رئيس الحكومة حيدر العبادي، بالمشاركة مع «تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، لخوض معركة الانتخابات، بدلاً من أن يتحالف «تحالف الفتح» مع ائتلاف «دولة القانون» المنافس، بزعامة نوري المالكي، الذي يطالب برحيل الأمريكيين.

هل سيلتزم «الحشد الشعبي» بموقف الحكومة، أم سيخرج عليها ويلبي نداء إيران، ويعيد حساباته مع العبادي ويعود إلى نوري المالكي، ومن ثم يفجر التحالف الانتخابي قبل أن يبدأ؟ 

أسئلة مهمة تجعل من الوجود العسكري الأمريكي محوراً مهماً وحاكماً في الانتخابات العراقية، وتربط بين هذه الانتخابات ومستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق.