حسين علي حسين

منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كنت أتناوب العمل مع ثلاثة زملاء، لإنجاز الطبعة الثانية، من جريدة الرياض، وكان من عليه المناوبة، يمكث في الجريدة من لحظة خروج الطبعة الأولى، حتى الخامسة صباحاً، موعد خروج الطبعة الثانية، في تلك المدة، حصلت واقعة احتجاز الديبلوماسيين، في السفارة الأميركية في طهران، وكان مراسل الجريدة النشط في أميركا، يتصل علي ليمليني آخر الأخبار حول تلك الواقعة، لكنه كان يشتكي من المضايقات الاجتماعية، وليس السياسية، التي كان يتعرض لها، مع أنه ليس إيرانياً، لكن لونه وعقيدته الإسلامية، كانا سبباً في تلك المضايقات! قبل الحرب العراقية الإيرانية، لم يكن المواطن العربي العادي، يدرك الفرق بين الشيعي والشيوعي، أثناء تلك الحرب أصبح الشيعي، إذا كان في منطقة ذات أكثرية سنية، يحرص على الحذر، في كافة أموره، بل إن بعض الشيعة، أصبحوا يولدون زوجاتهم، في مناطق ذات أغلبية سنية ليجنبوهم، قدر الإمكان ويلات التمييز، التي عانوا منها من الناس وليس من الدولة، وما يحصل للشيعة، يحصل مثله للسنة في إيران، أو في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مع أنهم قبل تلك الحرب كان بينهم نسب، وعلاقات اجتماعية واقتصادية! وقس على ذلك أوضاع كافة الاثنيات! صدام حسين تصالح مع إيران قبل حرب الخليج ومدحها، لكن الدمامل العقائدية والعرقية، التي خلفتها تلك الحرب، مازالت في الأجساد والنفوس، كانت حرباً ولدت أخرى، أعتى منها، قبل أن تتوقف!

وإذا خرجت من العالم العربي والإسلامي، فإنك ستجد هذه الآفة العقائدية والاثنية، تبسط نفوذها في عديد من الدول، راح ضحيتها الملايين، في آسيا وإفريقيا، ومازالت هذه المآسي، موجودة تحت نظر الدول التي تقع فيها، دون أن تستطيع القضاء عليها، فالقوانين رخوة والأمية متفشية. في الدول الراقية، مثل أميركا وأوروبا، وضعت قوانين تجريم حادة، تجعل مجرد سؤالك عن عقيدتك أو لونك، تعدياً على خصوصيتك، وبامكانك إذا تعرضت لمثل ذلك الموقف، أن ترفع أمرك للقضاء، هذه الدول لم تكتف بذلك، ولكنها خطت خطوات عملية، بدمج المواطنين مهما كانت أصولهم أو عرقياتهم أو عقائدهم، بدءاً من الصفوف الأولية، وحتى في الوظائف المدنية والعسكرية، خطط محكمة قلصت إلى أقصى درجة، شيطنة الآخر، ولك أن تعرف أنه في ظل التفجيرات الإرهابية التي طالت فرنسا على يد مسلمين فرنسيين، فاز في الانتخابات النيابية الفرنسية، خمسة عشر نائباً ونائبة، فرنسيين بالولادة أو التجنس، وفي الحكومات الفرنسية المتعاقبة هناك الكثير من الوزراء والمسؤولين، من جذور ليست فرنسية، لا أحد يشكك في ولائهم. لا أحد يتخذ منهم مواقف مسبقة، أو تحدد لهم واجبات ومهام محددة، كما يحصل في عديد من دول العالم الثالث لا أحد يجبرهم على تصفية أعمالهم أو يصادرها لهم تحت حجج واهية، ليجبرهم على ترك أرض شهدت ولادتهم وطموحاتهم، ذلك حصل مع بعض المسيحيين واليهود ذوي الجذور العربية، ومع أسر كاملة من العراقيين ذوي الأصول الإيرانية، إبان حكم صدام حسين!

الدول تختلف مع بعضها، تتحارب، لكن المسؤولين في تلك الدول، في النهاية يجلسون إلى طاولة المفاوضات، وما هي إلا أيام أو شهور، وتعود المياه إلى مجاريها، لكن التراشق الذي يطال السكان، يظل مزروعاً في النفوس، ولك الآن أن تستمع للأخوة العرب لتسمع ما يقول كل واحد عن أخيه، متى نعي الدرس الذي وعاه العالم المتحضر.. مجرد سؤال؟.