حسام عيتاني

أثناء الدفاع عما تبقى من حريّات في لبنان، يغيب عن الانتباه أن البلد بأسره بات أسير مشروع سياسي واحد ولغة واحدة ومنطق واحد. ألوان قوس قزح السياسية والثقافية سقطت أمام لون قاتم منفرد ساهم إخفاق الثورات العربية في فرضه على اللبنانيين.

التأمل في مسألة المسرحي زياد عيتاني تعطي الانطباع أن الرجل قد أُنقذ بشق الأنفس وأن تضافر الجهود المضنية مع بعض صدف سعيدة عملت على إخراجه من زنزانته وإعادته إلى بيته وعائلته وإلا لكان لاقى مصير السجناء الإسلاميين القابعين في السجون منذ سنوات من دون محاكمات.

لكن سنونوة زياد عيتاني الوحيدة لا تكفي لإعلان مجيء الربيع، ذلك أن التسويات التي جرت منذ عام ونيف تحت شعار الاستقرار «ربط النزاع» وما شابه، لم تفعل غير شراء الوقت لنظام لم يعد قادراً على تلبية الحاجات الضرورية للمواطنين وبات يشكل عبئاً كبيراً عليهم بسبب نظام تقاسم المغانم الطائفي. 

وسيستمر شراء الوقت في مؤتمر «روما 2» الذي ستحاول السلطة اللبنانية فيه إقناع المانحين بإقراضها المزيد من الأموال ريثما تستطيع استخراج النفط والغاز في غضون سنتين أو ثلاث سنوات. أي خبير اقتصادي سيقف مشدوهاً أمام سذاجة هذا التصور: مزيد من الديون مقابل رهان على دخل ريعي لا ضمانة في كيفية توزيعه!

بكلمات ثانية، ليس لدى هذه السلطة ما تسوّقه في العالم الذي تصدر مؤسساته المالية تحذيرات متتالية حيال وقوف لبنان على شفير الهاوية الاقتصادية، غير البهلوانيات النقدية والتذاكي على الداخل والخارج. ما من رؤية تنموية تستحق هذا الاسم. ما من فكرة عن حل أيّ من المعضلات البنيوية في الاقتصاد (والسياسة استطراداً). ما من محاولة جدية لتحريك ساكن واحد في الواقع القائم غير المزيد من استغباء المواطنين المستسلمين لقدر غاشم لا راد له.

تراهن أوساط سياسية عدة على أن الانتخابات التشريعية ستحمل تبدلاً في المشهد اللبناني. ومن حق المراقب لكيفية وضع القانون الجديد ولتشكيل اللوائح واختيار أسماء المرشحين، أن يطرح سؤالاً عن الوجهة التي سيسير فيها هذا التبدل إذا حصل. حلول أبناء السياسيين التقليديين مكان آبائهم لا يعني الشيء الكثير في بلد يرجع تاريخ بعض الزعامات فيه إلى أيام الفتح العثماني لهذه المنطقة. وبذلك يكون «الدم الجديد» المتوقع ضخه إلى المجلس النيابي المقبل هو من أقدم أنواع الدماء حتى لو كان مَن يجري في عروقهم مِن الشباب.

الحقيقة المريرة هي الوهم السائد بأن لبنان يتمتع بالاستقرار. لكن المراوحة في المكان ليست استقرارا. فهذا يتطلب نموا قادرا على استيعاب الداخلين الجدد الى سوق العمل واهتماما بالابعاد الاجتماعية والتعليمية والصحية لسكان يزدادون فقرا وبطالة. وبذلك يختلف الاستقرار جذريا عن الجمود الحالي الذي يشهد تفاقما لسوء الاوضاع على الصعد كافة.

ويكفي التذكير بتراجع لبنان من الدرجة 136 الى الموقع 143 على مؤشر الفساد العالمي السنوي لتصور فداحة ما يدور في هذ البلد. طبعا لم يعلق اي من افراد الجماعة الحاكمة على هذا «الانجاز» الذي يتشاركون جميعا في المسؤولية عنه.
لكن كيف ينتشر الفساد ويتعمم من دون ان تكون له «حاضنة شعبية» عابرة للطوائف والتيارات والاحزاب؟ وكيف تجدد طبقة سياسية على هذا القدر من الافلاس نفسها ان يكن اليأس قد استبد بالناخبين وان لم تكن القوى التي قدمت نفسها ذات يوم على انها البديل، تعاني من موت سريري لا خروج منه. خلاصة القول ان «الاستقرار» المحتفى به ليس اكثر من تعمية على ضرورة الاصلاح الجذري الذي يبدو ان اوانه قد فات.