عبدالعزيز التويجري

يتصرّف الرئيس الروسي فلاديمير كأنّه رئيس سورية والحاكم الأوحد لها، ولم لا وهو القيصر الجديد الذي حقق الحلم الروسي القديم بالوصول إلى المياه الدافئة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو الإمبراطور الذي يتحدّى العالم كلَّه بقوانينه، وبقواه العظمى، وبقياداته السياسية، ويفسر القرار رقم 2401 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي على هواه، ويحدد مواعيد وقف إطلاق النار ومدة الهدنة الإنسانية، ويفرض شروطه على فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية لفك الحصار عنها والنجاة بنفسها من الدمار الذي يستهدف البشر والحجر في تلك المنطقة المنكوبة من ريف دمشق. ويجري هذا العبث بالقانون الدولي، وبهذا القدر الهائل من الهمجية والوحشية، أمام مرأى ومسمع من العالم الذي يبدو أنه فقد السيطرة على الوضع المأساوي الذي أحال سورية إلى مقبرة مدمّرة.

إنّ الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في سورية هي قمّة التحدّي للمجتمع الدولي الذي يفترض فيه أن يطبّق أحكام القانون الدولي بصرامة. فروسيا اليوم ليست دولة محتلة لبلد عربي فحسب، ولكنها دولة تمارس الإرهاب وتهدد الأمن والسلم الدوليين، على نحو شديد الخطورة، وتستخفّ بالقوانين الدولية، وبحقوق الإنسان، في ظاهرة فريدة غير مسبوقة حتى في أزمنة الامتداد الاستعماري الأوروبي في آسيا وأفريقيا.

فلم يعرف العالم دولة عظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، تمارس هذا الإرهاب العلني، وتُبيد شعباً، وتدمر بلداً عريقاً في المجد الحضاري المتوارث منذ العصور القديمة، بحيث صارت روسيا اليوم تقرن بإسرائيل التي تحتل فلسطين العربية، وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ من الشعب الفلسطيني، وتعتقل الآلاف من المواطنين الفلسطينيين من بينهم أطفال ونساء ومرضى وعجزة.

فروسيا تمارس اليوم إرهاب الدولة، بينما هي تدعي أن وجودها في سورية إنما هو لمحاربة الإرهاب ولدحر الإرهابيين. فالمواطنون السوريون في الغوطة الشرقية ليسوا إرهابيين بأية حال من الأحوال، كما أن المواطنين السوريين في حلب التي أصبحت أثراً بعد عين، لم يكونوا إرهابيين. فهؤلاء هم الشعب السوري الرافض للنظام الطائفي ولسياسة القمع والقهر والإذلال التي يمارسها هذا النظام الذي أنقذته روسيا من السقوط، وهي اليوم تدعمه بقوة، وتعمل مع قوى أخرى، على بقائه حتى يواصل إبادة الشعب السوري.

إن العالم العربي الإسلامي هو المتضرّر من الاستهتار بالقوانين الدولية الذي تمارسه روسيا، لأن سورية جزء لا يتجزأ من العالم العربي الإسلامي، ولأن الشعب السوري لا ينفصل عن الأمة العربية الإسلامية. فهذا الوضع المتدهور البالغ الخطورة الذي وصلت إليه سورية، خلال هذه المرحلة الصعبة، يضيف مأساة ثانية إلى المأساة الفلسطينية تؤثر في مسار التنمية والبناء والنهوض والتقدم في عالمنا العربي الإسلامي، وتضر بالمصالح العليا للعرب وللمسلمين، الذين تربطهم بروسيا علاقات تعاون وشراكة في مجالات عدة. وقد حان الوقت لإعادة النظر في هذه العلاقات، وفي الموقف إزاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فلا يعقل أن تلوذ جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بالصمت، أمام هذه الجرائم التي يقترفها الطيران الحربي الروسي في الغوطة الشرقية، وفي ريف أدلب، وقبلها في حلب وغيرها من المدن السورية. وليس من الحكمة السياسية أن لا يتحرك العرب والمسلمون في إطار هاتين المنظمتين الإقليميتين، للضغط على روسيا وعلى إيران أيضاً، من أجل وقف عدوانهما على الشعب السوري.

قد تضطر الدول إلى اتخاذ مواقف معينة مراعاة لمصالحها الحيوية في عالم السياسة، لكن حينما تكون التهديدات واضحة للعيان، وتمثل خطراً حقيقياً، فالحكمة السياسية تقتضي التحرك المتوازن بين الضرورات الأمنية وبين المصالح. فحرب الإبادة للشعب السوري التي تجرى في تجاهل يكاد يكون تاماً من المجتمع الدولي، هي وصمة عار في جبين البشرية جمعاء. ولقد حان الوقت لصحوة إنسانية عامة توقظ الضمائر، وتحفز الإرادات، وتدفع نحو حماية الشعوب المظلومة من الاستهتار بحقوقها، والانتهاك لسيادة بلدانها، ونشر الدمار والخراب فيها. فمتى ينجلي هذا الليل البهيم؟.


* أكاديمي سعودي