شملان يوسف العيسى

يبدو أن هناك في القيادة السياسية في العراق من هم عازمون على استمرار سياسة ترسيخ الدولة الطائفية على الرغم من كل المشكلات التي مر بها العراق في السنوات الأخيرة بسبب الاستمرار في هذا النهج، فقد أصدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الخميس 8 مارس (آذار) الحالي مرسوماً يدمج فيه فصائل «الحشد الشعبي»، وهي فصائل معظم أفرادها من الطائفة الشيعية، رسمياً ضمن القوات المسلحة في البلاد ويساويها في الرواتب والتعويضات. ويقضي المرسوم بأن يحصل مقاتلو قوات «الحشد» الذين تدعمهم وتدربهم إيران في الأغلب على كثير من حقوق أفراد الجيش.

السؤال لماذا تم اتخاذ هذا القرار الآن؟

الجواب واضح وهو محاولة التأثير في نتائج الانتخابات المقبلة التي ستجري في 12 مايو (أيار) المقبل... حيث تحظى قوات «الحشد الشعبي»، التي يبلغ عددها 60 ألف مقاتل، بتأييد في أوساط الأغلبية الشيعية في العراق.

ما هي النتائج السلبية المتوقعة لمثل هذا القرار؟ إن ضم قوات «الحشد الشعبي» الشيعية للجيش يعني بكل بساطة جعل المؤسسة الأمنية العراقية (جيش وشرطة وطيران وغيره) مؤسسة سياسية محتكرة لفئة من الشعب العراقي دون غيرهم... وبذلك تنتفي صفة الجيش الوطني الذي يمثل طوائف الشعب العراقي كله... ويصبح مؤسسة حزبية خاضعة لأوامر الحزب الحاكم.

لا تزال قوات «الحشد» منتشرة في المناطق ذات الأغلبية السنية التي شهدت قتالاً عنيفاً خلال السنوات الثلاث الماضية لطرد «داعش» الإرهابي... فوجود جيش طائفي وليس وطنياً في مناطق السنة سيخلق حساسيات وعدم رضا حتماً.

هذه الخطوة ستخلق مشكلات جديدة مع حلفاء رئيس الوزراء العراقي في الغرب وتحديداً الولايات المتحدة ودول الجوار العربي؛ ذلك لأن ميليشيات «الحشد الشعبي» ذات النهج الطائفي قاتلت قواتها مع الجيش الأميركي لمحاربة الإرهاب بالسلاح الأميركي ودعم قوي من الطيران الأميركي الذي أرغم الإرهابيين «الدواعش» على الانسحاب من العراق... واليوم يعلن قادة «الحشد» رفضهم للوجود الأميركي في العراق، حتى وإن كان الهدف هو تدريب القوات المسلحة العراقية.

ما يُخشى منه هو خضوع قيادة «الحشد الشعبي» لإيران سواء عبر التمويل أو تنفيذ التوجهات الإيرانية. خضوع «الحشد» لإيران أعلنه علي شمخاني أمين المجلس الأعلى القومي الإيراني، حيث حذر الحكومة العراقية من المساس بـ«الحشد الشعبي»، وأكد أن الدعوات التي تطالب بحله مؤامرة جديدة لإعادة انعدام الأمن والإرهاب إلى المنطقة.

إن دمج «الحشد الشعبي» في الجيش العراقي ما هو إلا بداية لتقسيم العراق فعلياً وعملياً... فيوجد في العراق اليوم منطقة للأكراد، ومناطق خاصة بالسُنة، ومناطق شيعية في الجنوب وبغداد، وهو خطوة مشابهة لما اتخذته إيران في لبنان بتأسيسها «حزب الله» اللبناني.

دمج ميليشيات «الحشد الشعبي» مع الجيش سيخلق مشكلات جديدة للعراق، لأن هذه القوات لا تخضع لقوانين المؤسسة العسكرية العراقية بل تتبع أجندة إيران وتنفيذ مخططاتها في المنطقة، والدليل على ذلك وجود قوات «الحشد» في سوريا للقتال ضد الشعب السوري وثواره، كذلك رفض قيادات الحشد الشعبي لأي وجود أميركي في العراق والمنطقة، وهذا ما تطالب به إيران.

هنالك أحزاب وحركات طائفية شعبية في العراق وعلى رأسها حركة «كلنا عراق».. الدكتور محمود الأنور القيادي في الحركة رحب بقرار رئيس الوزراء العراقي واعتبره خطوة لتوحيد الجبهة الداخلية في العراق قبل إجراء الانتخابات... ويقصد من كلامه توحيد جبهة الأحزاب والحركات الشيعية.

وأخيراً نتساءل هل يمكن أن يستقر العراق مستقبلاً إذا كانت هناك قيادات سياسية فيه ترفض أي دعوات جادة لتوحيد القوى والأحزاب الوطنية العراقية الحريصة على وحدة التراب العراقي ومكونات الشعب العراقي المختلفة.

لقد كتب الزميل الدكتور رضوان السيد مقالاً عن فالح عبد الجبار في جريدة «الاتحاد» يقول فيه ما عادت الحياة تطاق في بغداد ولا في المدن الأخرى بعد خروج الأميركيين، فالعراقيون سنة وشيعة مصممون على تدمير ديارهم وعيشتهم ودولتهم، والإيرانيون يتحدثون عن سيطرتهم الكاملة دون أن يعني ذلك استقراراً أو حياة عادية.