كلمة الاقتصادية

المحطة الإسبانية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لها أبعاد مختلفة، بما فيها البعد التاريخي. وهي محطة لها أهميتها الكبرى أيضا، في ظل الحراك السعودي الخاص في البناء الاقتصادي الوطني، فضلا عن دور المملكة على الساحتين، الإقليمية والعالمية. والعلاقات بين الرياض ومدريد تعود رسميا إلى أكثر من ستة عقود، لكنها تظل تحتفظ بذاك الرابط التاريخي بين العرب وهذا البلد. 

ناهيك، طبعا، عن دور إسبانيا السياسي على صعيد القضية الفلسطينية، قبل مؤتمر مدريد الشهير وبعده. وهذا ما جعل المواقف بين المملكة وإسبانيا متطابقة في هذا المجال، لا سيما بعد أن طرحت السعودية مبادرتها العربية الكبرى لحل هذه القضية. 

وكذلك الأمر بالنسبة للحرب على الإرهاب، الذي نال من إسبانيا بعدما نال من السعودية نفسها. فالرياض، سبقت كثيرا من الدول في شن هذه الحرب، وحققت فيها النتائج المرجوة. هناك كثير من الاتفاقيات التي تجمع السعودية وإسبانيا، في المجالات الثقافية والتعليمية والبحثية، فضلا عن التعاون في المجال الجوي. وقبل هذه الاتفاقيات ومعها، هناك أيضا اتفاقيات ربط البلدين في مجالات الاستثمار والسياحة والتجارة. 

أي أن هناك أرضية قوية تدفع العلاقات لمزيد من التقدم، خصوصا في ظل مسيرة تطبيق "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها، وما تحتويه من مشاريع يمكن أن تقدم إسبانيا فيها ما لديها، بما يكفل مصالح الطرفين. الذي يدعم حراك العلاقات أيضا، فالمملكة تعتبر الشريك التجاري الثاني في الشرق الأوسط مع إسبانيا. كما أن حجم الميزان التجاري بينهما يبلغ أكثر من 3.5 مليار دولار سنويا. 

وهذا أيضا مستوى جيد، من الطبيعي أنه سيتطور في المستقبل المنظور. المشاريع التي تجمع السعودية وإسبانيا كثيرة، بما فيها تلك الخاصة بالبنى التحتية، ومنتجات الصناعات الكيماوية، والمنتجات المعدنية واللدائن والأنسجة والمنتجات الطبية، وغيرها. وكلها ستشهد تقدما في المرحلة القادمة، نظرا لمتطلبات السوق المحلية السعودية. وعلى هذا الأساس، يمكن النظر إلى حراك مجلس الأعمال السعودي- الإسباني، وهو الذراع الأهم على صعيد الأنشطة التجارية. يضاف إلى ذلك، أن المملكة لديها ما تعرضه على الجانب الإسباني في مجال الاستثمارات المتبادلة. وهنا فرص كبير بالنسبة لمدريد لتكون جزءا مهما في عملية البناء الاقتصادي السعودي، لا سيما في ظل ما تتمتع به المملكة من مكانة اقتصادية قوية، حتى في عز تراجع أسعار النفط. ما يعني أن هناك ضمانات لكل جهة ترغب في خوض مجال الاستثمارات على الأرض السعودية. في المجمل، هناك ما يقرب من 33 مشروعا مشتركا بين البلدين، وهي مشاريع متجددة، في حين أن الجانبين يتطلعان إلى مزيد من التعاون. 

فالمملكة توفر الفرص اللازمة، سواء التقليدية، مثل الطاقة والتجارة والصناعة والخدمات، أو الجديدة، مثل السياحة والأنشطة الثقافية المختلفة والترفيه، وغير ذلك. وولي العهد يتوقف في المحطة الإسبانية، ومعه وفد كبير يضم المسؤولين عن كل القطاعات الحيوية والاستراتيجية تقريبا، ما يدعم نتائج هذه الزيارة، التي تأتي في الوقت المناسب. وتكفي الإشارة إلى أن هناك 400 شركة تعمل على الأرض السعودية في مجالات مختلفة، بما فيها السكك الحديدية والتقنية. لكن "ورشة" البناء الهائلة في المملكة، ستوفر مزيدا من الساحات للشركات الإسبانية، بما يكفل علاقات استراتيجية متفاعلة ومتعاظمة، بين بلدين جمعا تاريخا يعود لعشرات القرون.