قُدر لمدينة الظهران الهادئة أن تستقبل قمة عربية حاشدة في وقت صاخب، تكاثرت فيه الأزمات والمشكلات في المنطقة. بدأت المدينة استعداداتها لاستضافة القمة العربية اليوم. الشوارع الرئيسة في درة التاج في المنطقة الشرقية حملت أعمدتها أعلامَ الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وصولاً إلى مقر انعقاد القمة في مركز إثراء في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي في قلب الظهران، على بعد أمتار من أول بئر نفطية اكتشفت في المملكة قبل 80 سنة.

انتشرت لافتات الترحيب بالضيوف، واستكملت التحضيرات واللمسات الأخيرة.

الدمام حاضرة المنطقة الشرقية والتي أخذت اسمها من صوت دمدمة الطبل الذي يقرع في جارتها الخبر فيصل الصوت إليها «دم دم»، تجاور الظهران إحدى أهم المدن الصناعية في المملكة الآن، ومن بواكير المدن الحديثة فيها، على إيقاع صناعة النفط، هي المنفتحة على الخليج العربي، بأحد أهم الموانئ، فيما يبدأ من الخبر وإليها الجسر المؤدي إلى البحرين، كرسالة شراكة اقتصادية واجتماعية وسياسية بين البلدين، وتشكل المدن المثلث الأهم في المنطقة الشرقية، وتحمل اسم «حاضرة الدمام».

تاريخياً كانت الظهران قرية صغيرة في مقابل المنطقة الحضرية في القطيف وقراها، حيث عيون المياه الجارية والزراعة والنخيل، لكن بعد اكتشاف النفط واستقرار شركاته قرب جبل الظهران، تطورت الحواضر الصغيرة في الدمام، وأصبح الآن مثلث الدمام، الظهران، والخبر، من كبريات المدن في المملكة. وتضم الدمام ذات المليون نسمة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، وفيها كلية طب التي تعدّ من أرقى الكليات في العالم العربي.

والدمام باتت عبر العقود الأخيرة مدينة حديثة مرتبطة ارتباطاً كاملاً بنشاط شركة «أرامكو»، وهي أيضاً ساعدت في تكوينها، بمعنى أنها منحتها الأرض والمعنى. هي مدينة أصبحت موئلاً لكثير من الثقافات من أنحاء المملكة كافة. هي المدينة الجاذبة كما يراها أحد سكانها، بينما شهدت نهضة صحافية مبكرة، في جريدة «أخبار الظهران»، وكانت من الصحف المشهورة التي دافعت عن حقوق العمال السعوديين في «أرامكو». كتب مثقفو المنطقة الشرقية في تلك الجريدة وانصب اهتمامهم على دعم مطالب هؤلاء العمال. ويرى الشباب في الدمام التي يقع في طرفها الشرقي أكبر ميناء على الخليج العربي، أن مدينتهم ملتقى لطاقات إبداعية من كل أنحاء المملكة، ويتعاطون مع النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، ويساهمون في تنشيط الحركة الإبداعية في شكل راقٍ.

يقول مثقف سعودي معروف: «من يسكن الدمام ليلة واحدة لا يغادرها» على رغم الحرارة الشديدة، هي «مدينة منظمة وحديثة، يعيش أهلها في ظل تعددية ثقافية وفكرية حياةً تتسم بالهدوء والدعة واللطف في العلاقات».

صادفت الدمام الاقتصاد والثقافة والتطور السكاني، لكنها على موعد تاريخي هذه المرة مع السياسة، من خلال القمة العربية الـ29. لكن الإضاءات السياسية حدثت سابقاً، خصوصاً في الاجتماعات المرتبطة بمجلس التعاون الخليجي.

ويتذكر كثيرون زيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للدمام والظهران في الخمسينات، واستقبال الملك سعود بن عبدالعزيز له إبان أزمة تأميم قناة السويس. وقالت هدى عبدالناصر أخيراً إن والدها اجتمع في السعودية عام 1956 مع الملك سعود، وجرى بحث مسألة «قناة السويس»، وأجمع المسؤولون السعوديون خلال الاجتماع على تأييد مصر تأييداً كاملاً في كل مواقفها.

كانت أزمة السويس تفاقمت ووصل عبد الناصر إلى الدمام في 22 أيلول (سبتمبر) 1956، حيث التقى العاهل السعودي والرئيس السوري شكري القوتلي في قمة ثلاثية لبحث الأزمة. واستقبلت جماهير الدمام القادة الثلاثة في حشود كبيرة ترحيباً بهم.