جمال بنون

لو كنت مسؤولاً في منظمة أو جمعية إعلامية محلية لاخترت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفته إحدى الشخصيات القيادية المحلية، التي تحظى بمتابعة كبيرة واهتمام من مختلف الفئات، فضلاً عن الاهتمام العربي والعالمي، وأتحدث هنا عن تصريحاته الصحافية المشوقة والمليئة بالمعلومات والأرقام، إذ يمكن أن نصفها بأنها التصريحات المشوقة للمتابعة والاستمتاع بالحوار، ومنحته جائزة «الحوار الممتع»، وفي كل مرة يتحدث فيها ولي العهد السعودي إلى وسائل الاعلام، هناك متابعة شديدة لحواره وتحليل كلامه، بل الفئة العمرية الشابة هم الأكثر متابعة لتصريحاته وأحاديثه الصحافية، وربما تكون أسباب منح الجائزة عدة، فمنذ تعيينه في منصب ولي ولي العهد، كان أول تصريحاته لصحيفة بلومبيرغ، حين كشف للمجتمع السعودي والعالم عن خططه وتوجهاته ومستقبل البلاد، كان ذلك في الخامس من نيسان (أبريل) 2016، وهو الحوار الأول لوكالة بلومبيرغ الأميركية. هذا الحوار، على رغم أنه كان منشورا وليس لقاءً تلفزيونيا، حمل كثيرا من المعلومات، فهي المرة الأولى التي يشرح رؤيته لمستقبل الاقتصاد السعودي، والمرة الأولى التي يتحدث فيها أمير قيادي عن مشروع صندوق استثماري هو الأكبر في العالم، وفي هذا الحديث أعلن الامير المرة الأولى أنه في عام 2020 لن يكون النفط مصدرا رئيسا للدخل، وأن شركة «أرامكو» ستتحول إلى امبراطورية صناعية، ونظاما جديدا للمقيمين أشبه بـ«غرين كارد»، أما حديث الأمير محمد بن سلمان الذي استعد له السعوديون فكان بعد 20 يوما، حينما أعلن أنه سيظهر في لقاء تلفزيوني في قناة العربية في الـ25 من أبريل 2016، فهو الحديث التلفزيوني الأول للأمير محمد بن سلمان في قناة محلية، والذي أظهر فيه براعة وقدرة على إيصال المعلومة وسردها، وتسلسل الأرقام التي أوردها، في هذا الحوار كانت المرة الأولى التي يرى المتابع السعودي أن الامير الشاب لا يعتمد في حواره على أوراق مكتوبة لإقناع المتابع بالمعلومات، فهو يؤمن بالفكرة التي يطرحها ويتحدث بعمق، وبالنسبة للشارع السعودي تعد طريقة حديث مسؤول قيادي في هذه المرتبة أمرا لافتا ومحفزا على الاستماع إليه، وبخاصة أنه يحمل رؤية وثقة في الطرح وأسلوبا رائعا في تمرير المعلومة، مستخدما كل المهارات الجسدية واللغوية والفنية، ويمتعك بصفتك مشاهدا أن تتابع حواره للنهاية.

وبعد عام وشهرين أدلى الأمير محمد بن سلمان بحواره الشهير مع قناة إم بي سي، تحديدا في الثاني من أيار (مايو) 2017، أي بعد إعلان الرؤية بيوم، وهو الحوار الذي تحدث فيه بشفافية مطلقة عن الرؤية وهو متشبع بالمعلومات والأرقام، وأيضا آلية تنفيذها وانعكاساتها على البلد، كما تحدث فيها عن العلاقة المشوشة مع إيران ودعمها الإرهاب. الذي يجعلنا نتحدث عن حوارات الأمير مع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية هو امتيازها بالشفافية المطلقة وحجم المعلومات التي يقدمها للمشاهد وثقته بنفسه عند الحوار، وهو أسلوب جديد للمشاهد السعودي، الذي لم يألف هذه الحوارات من قبل، وبخاصة من شخصية قيادية، فنحن تعودنا أن نرى حوارات يتم إعدادها من قبل، أو إجابات مكتوبة. إن الأسلوب الذي ينهجه الأمير محمد بن سلمان في إعطاء التصريحات تبدو مشوقة، وتجعلك، بصفتك متابعا، تترقب أحاديثه وتصريحاته، ثم يتم تحليلها ومناقشتها. في رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، أجرى الأمير محمد بن سلمان خمس حوارات صحافية مع نخبة المجلات والصحف الأميركية، ونحن نعلم أن هذه الصحف والمجلات تحب اللقاء والحوار المباشر وليس تلك الأجوبة التي تقدم جاهزة للصحافيين، والأسئلة كانت أكثر جرأة في الطرح، وبخاصة في ما يتعلق بالشأن السعودي والخليجي، وأيضا العالمي، إذ استطاع الأمير احتواء هذه الاسئلة والإجابة عليها من دون امتعاض، تاركا الحرية للإعلامين لطرح ما يرغبون من أسئلة، وكاشفا لمتابعيه عن مدى ما يتمتع به من سرعة بديهة، وأبرز قدرته على التعامل مع الاسئلة المحرجة، وهي تدل على ثقته بنفسه، وكما وصفة الكاتب الزميل خالد السليمان في زاويته في «عكاظ» الأسبوع الماضي، حينما قال: إن الأمير «استطاع أن يشرح خطته لبناء اقتصاد جديد يتجاوز الاعتماد على النفط، ويضمن بقاء المملكة ضمن أقوى 20 اقتصادا في العالم، وقدم مشروع إنتاج الطاقة الشمسية على أنه مشروع لا يخص السعودية وحدها، بل العالم بأسره، وتحدث عن التغيير الاجتماعي، فأكد أنه تغيير لنمط الحياة نحو الأفضل، ولا يمس جوهر هوية الإنسان السعودي. وبمثابة موضوع مفضل لديه، كان مجيدا في شرح الفرق بين الإسلام الحقيقي والإسلام الذي أعاد المتطرفون تعليبه وتسويقه، بعد أن اختطفوا الإسلام المتسامح عام 1979، كما نجح كعادته في تفنيد توصيف الوهابية ومساعي ربطها بالجهادية التكفيرية، وأظهر فهما عميقا للحال الدينية وتجاذبات صراعها السياسي، الذي لم يكن الغرب بريئا من ركوب موجته في بعض مراحل الحرب الباردة والصراع مع الاتحاد السوفياتي، في حدائقه الخلفية، وأفغانستان».

حينما نقول إن الامير محمد بن سلمان يستحق التكريم من مؤسسة إعلامية أو منظمة محلية، فهي ليست من باب المبالغة أو المجاملة أو حتى التزلف أو البحث عن منصب أو وجاهة اجتماعية، فأنا أتحدث من واقع مهنتي الصحافية والإعلامية، وأعرف المسؤول حينما يوضع أمام اختبارات إعلامية عدة ويتعرض لكل أنواع الأسئلة، هنا تحديدا تظهر مهارته الفائقة في التعامل وسرعة البديهة، فضلا عن أن حجم المتابعة للأمير ليس فقط من المحللين والمراقبين السياسيين والاقتصاديين، بل إن حوارات الأمير تتابعها شريحة الشباب، الذين يستمدون روح الحماسة من تصريحاته وحواراته، وعادة فمثل هذا التكريم يصدر عن مؤسسات أهلية، فلا يمكن أن تتقدم جهة حكومية لمنح مثل هذا التكريم، ولعل الفرصة مواتية لهيئة الصحافيين السعوديين أن تتبنى مثل هذا التكريم، أو مؤسسات أهلية إعلامية أخرى.

ولعل تصريح الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة لفرنسا، حينما سأله صحافي في ما يتعلق بالمساواة والعدالة بين الرجل والمرأة، هل سيصحب الأمير المرة المقبلة زوجته معه، فكان رد الأمير ينم عن سرعة بديهة وتقبله لمثل هذه الاسئلة، فرد بكل ثقة وأجاب إجابة مقنعة أرضت متابعيه ووجهة نظر يحترمها المجتمع الغربي، حينما قال: «لدي زوجة وأربعة أبناء، وهم حريصون جداً على أن تكون حياتهم طبيعية وبسيطة، ولا تتأثر بسبب موقعي ومنصبي اليوم.. وأنا أريد أن أحافظ على ما يريدونه، في حياة بعيدة عن الأضواء والضغط السياسي، وزوجتي تريد هذا الشيء لهم أيضاً، وأنا احترم ما تريده زوجتي وأبنائي»، وإلى جانب حواراته وتصريحاته، فالأمير يرسل إلى متابعيه رسائل إيجابية، مستخدما كل أنواع المهارات، سواء بصرية أم جسدية أم من طريق الممازحة، وكذلك وطريقة ووقوفه أو جلوسه مع من يلتقي بهم، وهي جميعها رسائل مهمة، وتمنح فرصة للإعلام المحلي أن يتعامل مع هذه الشخصية بكل عفوية، وليس بالديباجات الرسمية في الحوارات، وهي أيضا رسالة إلى كل المسؤولين أن يتعاملوا مع وسائل الإعلام بكل عفوية ومن دون حساسية.

المجتمع السعودي أمام قيادي يمتلك مهارة عالية في التعامل مع الإعلام، ويجب أن يعتاد على هذا الامر، ودعوة التكريم هي فرصة للمؤسسات الإعلامية للتعبير عن رغباتها وتكريم من تراه من الشخصيات التي يروق لها، وأعتقد أن الامير محمد بن سلمان يستحق هذا التكريم، فهو بحق يمتعك بإجاباته الدسمة الممتلئة بالمعلومات.