عمر أحمد عدي البيطار

إن رؤية الإمارات العربية المتحدة لمستقبل آمن ومزدهر للمجتمع الدولي لا تنبع من فلسفة نظرية أو أحلام خيالية، وإنما من رغبة صادقة في دفع عجلة التقدم الإنساني والعلمي والعمراني، وتستند إلى تجربة تنموية حقيقية وناجحة يشهد لها المجتمع الدولي بأسره، لما حققته الإمارات من معجزات حضارية، فهي تعتبر نموذجاً للدولة الطموحة وتضرب مثلاً في حكمة القيادة ورؤيتها الصائبة، ويعكس دستورها مقومات نجاحها القائمة على التعاون والتفاهم والتراضي بين كافة سلطاتها ومكوناتها في سعيها لرفعة شعبها وصون كيانها. وغاية الإمارات غرس بذور الخير لأبنائها ومواطنيها وللمقيمين فيها، بل وللبشرية جمعاء. إن إيمان قيادة الإمارات وشعبها بالقّيم البشرية والإنسانية والحضارية راسخ كالجبال، وحبها للسلام حقيقي وسعيها لتقدم البشرية والتعاون لإسعاد المجتمعات على أسس من العدالة الاجتماعية، من خلال العمل على إقامة الحق والعدل وإرساء الأمن والاستقرار في ربوع العالم، تترجمه الأفعال لا الأقوال. فالإمارات في طليعة الدول التي تساند المجتمعات بحب وصدق، وهي تقدم مختلف المساعدات الإنسانية، وينبع ذلك من يقينها ورهانها على جوانب الخير في النفس البشرية ووعيها لدروس وعِبر التاريخ.

على أثر أول جريمة ارتكبت في التاريخ -عندما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل- أدرك الإنسان أن النزعة العدوانية القائمة على الطمع لدى البشر لم تكن أبداً سبيلاً لإسعادهم، بل غدت عذاباً لضميرهم، فأورثتهم الحزن والندامة وصنفتهم كمجرمين ومنبوذين، وقد أيقن الإنسان من بعدها بأنه لا يطفئ نار الشر إلا شعلة الخير في نفسه، ولا تستقيم أمور المجتمع إلا بإقامة الحق والعدل وإفشاء السلام والمحبة والتعاون بين الناس، وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وهكذا فقد علمتنا دروس التاريخ بأن الحروب العدوانية والتوسعية -على المدى البعيد- لم تنتج إلا دماراً وهلاكاً، فلم يستطع لا نابليون ولا هتلر تحقيق حلمه في حكم العالم، وقد تسببت مثل هذه الحروب -بشكل أو بآخر– في ضرر بالغ أصاب جميع الأطراف، وقد نتجت عنها مشاكل لا حصر لها، واتضح -مرة تلو الأخرى- بأن كل حرب عدوانية إنما هي بذرة لحروب جديدة في المستقبل، ولم تكن الحروب التوسعية والعدوانية لتحقق أمل الطامعين على المدى البعيد، كما لم تكن حلاً لنزاع أو تسوية لصراع بين الأطراف المتصارعة، وليس أدل على ذلك إلا زوال جميع الإمبراطوريات التوسعية عبر التاريخ، ومنها على سبيل المثال الإمبراطورية الفارسية والرومانية والبيزنطية والمغولية وغيرها من الإمبراطوريات، فقد انهارت وبادت جميعها مع ازدياد رغبتها في التوسع وطمعها في حكم المزيد من الأقاليم لكسب المزيد من القوة والسيطرة وبلوغ ذروتها في الفساد والاستبداد.

واليوم، وبالرغم من الهزيمة الساحقة التي أحرزها المجتمع الدولي ضد الإرهاب المتمثل في «داعش» و«القاعدة»، فإن الأزمات الدولية الراهنة ما زالت في تصاعد. إن خطر توسع نطاق الحروب الإقليمية لتشمل مواجهة بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط بسبب التدخلات السافرة لإيران وأذنابها في المنطقة، إلى جانب بعض القوى الإقليمية الأخرى في الأزمة السورية، يتزايد كل يوم، خاصة مع تكرار استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين السوريين العزل دون استحياء أو رادع إنساني، إلى جانب استمرار الصراع العربي الإسرائيلي حول القضية الفلسطينية لمدة سبعين عاماً دون حل عادل وشامل، وكذلك تصاعد احتمالات المواجهة العسكرية للحد من طموحات وتهديدات السياسات التوسعية الإيرانية وتدخلاتها في المنطقة العربية في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان وإثارتها للفتن الطائفية والمذهبية، علاوة على عزم المجتمع الدولي على التصدي للبرنامج الصاروخي الإيراني الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة، ويمهد لاستكمال بناء إيران لقدراتها النووية في حال إلغاء الاتفاق النووي الدولي (5+ 1) أو فور انقضاء المدة الزمنية للاتفاق مع هذا النظام الأيديولوجي الثوري والتوسعي الإرهابي، والذي لا يختلف عن «داعش» أو «القاعدة» سوى بالمسمى.

ومن جهة أخرى، فإن احتمال المواجهة بين الدول الكبرى في شرق آسيا، نتيجة التهديدات النووية التي تطلقها كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة -من حين لآخر- ما زال قائماً، خاصة مع انتقال جهود الاستراتيجية العسكرية الأميركية من المنطقة المركزية في الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ وآسيا. وفي ظل تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية واحتدام الخلافات التاريخية بين دول المنطقة في كل من بحر الصين الجنوبي وبحر شرق الصين ومن وراء هذه الدول حلفاؤها في الشرق والغرب، وكذلك استمرار شبح الأزمة المالية العالمية التي تنذر بانهيار الاقتصاد العالمي في حال تكرارها.. فإن كل هذه التداعيات تنذر باحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية التي يتوفر منها ما يكفي لتدمير الأخضر واليابس، وإعادة الحضارة البشرية إلى نقطة البداية- لا سمح الله- ما لم تلجأ دول العالم وحكوماته على الفور إلى نهج الحكمة والعقلانية لوقف تصدع المنظومة الدولية والقيام بجهود صادقة وحثيثة لتدارك واحتواء الموقف.

وإدراكاً منها لحساسية الموقف الدولي والظروف الخطرة التي يشهدها العالم، فإن الإمارات اليوم تحث المجتمع الدولي وتدعوه لاستيعاب الأوضاع الخطيرة التي يشهدها العالم وضرورة قيامه بصيانة الأمن والاستقرار في العالم. وفي ظل الاعتماد المتبادل الذي جعل من الكرة الأرضية قرية عالمية، فقد ارتبط مصير الدول ببعضها البعض، وأصبحت أقدارها متلازمة، حتى غدت الدول تتأثر بمشاكل بعضها البعض بشكل مباشر وعميق. فمعاناة دولة إنما هي معاناة للدول الأخرى، وحل مشكلة دولة ما إنما يبعث على ارتياح المجتمع الدولي بأسره، وهكذا فقد بدأت فواصل السيادة بين هذه الدول بالذوبان، ولهذا يكون التعاون أجدى من الصراع ويبعث على الأمل للبشرية جمعاء. ولا بد أن نعي بأن الجهود الإنسانية السلمية والثقافية والعلمية والتراثية عبر التاريخ كان لها الفضل في تقدم وازدهار البشرية جيلاً بعد جيل. ولهذا لا بد من البدء بالعمل فوراً على إصلاح أو إعادة بناء المنظومة الدولية من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على أسس من التوافق والتعاون والتفاهم والحوار البناء والاستثمار في النماذج الحضارية الماضية، خاصة مع توفر كافة القدرات والإمكانات في ضوء التفوق العلمي والتقدم التكنولوجي والحضاري في هذا العصر الحديث.