جان دامز

حملة ترامب الحمائية أخذت تثير حرباً تجارية مع العالم برمته – بما في ذلك ألمانيا، مثلما وضّح ذلك جيداً إعلانُه الشهر الماضي عن فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومينيوم. غير أنه تبين أن ذلك قد يكون مجرد قمة جبل الجليد، ذلك أنه أخذ يهدد الآن أهم قطاع صناعي في ألمانيا ألا وهو: صناعة السيارات. ففي السادس من أبريل الجاري، كان معظم عُمال صناعة السيارات الألمانية في طريق العودة إلى منازلهم من أجل عطلة نهاية الأسبوع عندما تسربت مخططات ترامب. فمن أجل حماية مصنعي السيارات المحليين، تريد الحكومة الأميركية رفع معايير البيئة على نحو يصبح معه استيفاء المعايير الجديدة أكثر غلاء – وخاصة بالنسبة للمصنعين الأجانب مثل الألمان. هذا الأمر يفترض أن يرفع الأسعار بالنسبة للسيارات المصنَّعة غير الأميركية.

والفكرة، طبعاً، هي أن السيارات الأغلى ثمناً لن تباع بشكل جيد في السوق الأميركي الحساس جداً تجاه الأسعار، وأن المصنّعين الأميركيين بالتالي سيستفيدون. غير أن حقيقة أن هذه التدابير من شأنها الإضرار بالمستهلكين الأميركيين أيضاً، عبر زيادة تكاليف السيارة، يبدو أنها ليست مهمة كثيراً بالنسبة للرئيس الأميركي.

وعلى نحو غير مفاجئ، أثار الخبر استياء المصنّعين الألمان، حيث أعلنت «جمعية صناعة السيارات»: «إن الحمائية ليست طريقة لدعم الاقتصادات بكل تأكيد»، مضيفة: «ومع تزايد التهديدات التي تواجهنا، فإننا لا نستطيع مواكبة هذا النقاش. والإعلان الأخير لإدارة ترامب يُظهر من جديد أهمية الحوار مع الولايات المتحدة واستمرار المفاوضات التجارية الدولية».

وتدعو جمعية صناعة السيارات إلى الحوار وتؤيد فكرة اتفاقية مشتركة عابرة للأطلسي تستطيع تقليص الحواجز التجارية، سواء تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية أو غيرها – بعبارة أخرى، نسخة جديدة من «الشراكة العابرة للأطلسي للتجارة والاستثمار». غير أنه في الوقت الراهن لا توجد أي مخططات لمحادثات من هذا القبيل.

وبالمقابل، هناك شائعات وتقارير، وردت بعضها في صحيفة «وول ستريت جورنال»، تفيد بأن ترامب دعا «وكالة حماية البيئة الأميركية» إلى إخضاع المركبات المصنوعة في الخارج لاختبارات صارمة، وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى استخدام قطع أكثر غلاء بكثير بالنسبة لبعض تلك المركبات. وقد تكون فولكسفاجن وفضيحة غاز عادم الديزل لعبت دوراً في هذا الأمر عبر منح ترامب الذريعة المثالية لمخططاته.

ويذكر هنا أن شركة صناعة السيارات الألمانية هذه تملك ما يقدر بـ3.5 في المئة من حصة السوق في الولايات المتحدة. ومما يزيد من تعقيد الأمور حقيقة أن كثيراً من السيارات «الأجنبية» يتم استخدامها في الولايات المتحدة في الحقيقة، والعكس صحيح. ذلك أن إنتاج السيارات لطالما كان تجارة عالمية.

فالقطع تُصنع في بلد ثم تشحن إلى بلد آخر من أجل التركيب. والسؤال، بالتالي، يتعلق بأين ينبغي رسم الخط، وكيف ينبغي اعتبار وتحديد خط مركبات معين «مستورَداً». وإذا مضى ترامب قدماً في تنفيذ المخطط، فسيتعين على السلطات الأميركية أن تجيب على هذا السؤال، وأن تقرر بشكل دقيق على أي أساس يمكن اعتبار مركبة «صنعت في الولايات المتحدة»، لوبي صناعة السيارات «غلوبال أوتوميكرز»، الذي يضم الشركات الألمانية «فولكسفاجن» و«بي إم دبليو» و«ديملر»، غاضب بسبب مخطط ترامب ويعتبر أن هذه الحواجز غير المتعلقة بالرسوم الجمركية تمثل «فكرة سيئة وغطاء للحمائية». والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة تسعى منذ عقود إلى تقليص هذه الحواجز السوقية لشركائها التجاريين.

وعلى سبيل المثال، فإن شركات صناعة السيارات الأميركية اشتكت لسنوات من حواجز تحول دون دخول السوق في اليابان وكوريا الجنوبية. ولا شك أن حقيقة أن الولايات المتحدة نفسها ستأتي بمثل هذه الأفكار هو أمر مثير للسخرية كلياً. غير أن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السلطات الأميركية وقف المنافسة من شركات أجنبية لصناعة السيارات. ففي الثمانينيات والتسعينيات، ومن أجل حماية مصنّعي السيارات المحليين من السيارات اليابانية ذات الشعبية المتزايدة، جعلت الولايات المتحدة الواردات أكثر غلاء. ونتيجة ذلك، نقل مصنّعو السيارات اليابانيون الإنتاج إلى أميركا.

غير أنه بالنسبة للولايات المتحدة، مثّلت هذه الخطوة نعمة ونقمة في آنٍ واحد. ذلك أن التشغيل ازداد. واليوم، تشغّل «هوندا» و«تويوتا» و«نيسان» ما مجموعه 11 مصنعاً في الولايات المتحدة، أي أكثر من منافسيهم الألمان، ويوظّفون عدداً ضخماً من الأشخاص. غير أن النتيجة النهائية كانت مزيداً من المنافسة لمصنعي السيارات الأميركيين مثل «جي إم» و«فورد». وفي حال هاجم ترامب فعلاً صناعات السيارات الأجنبية بهذه الطريقة، فإنه قد يتبين أن نزاع الصلب والألومينيوم ليس سوى مقدمة لتحولٍ أكبر بكثير في السياسات. وفي تلك الحالة، سيتعين على شركاء أميركا التجاريين الاستعداد للأسوأ.

ولكن السؤال هو: ما هو نوع الصفقات الذي سيكون ترامب مستعداً لقبوله قصد تجنيب صناعة السيارات هذه المشاكل. ولنستحضر هنا أن الرئيس الأميركي كثيراً ما يخلط بين المواضيع التجارية ومواضيع أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن ترامب دعا، في نزاع الصلب والألومينيوم مع أوروبا، إلى زيادة في الإنفاق العسكري من قبل الشركاء الأوروبيين في الناتو.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»