زاهي حواس

 ما زلنا نقدم للقارئ العربي العزيز كتاب «الخيال الممكن» لمؤلفه الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، الذي هو بالتأكيد إضافة مهمة للمكتبة العربية؛ ولا أعلم إن كان قد ترجم بعد إلى لغات أجنبية أم في طريقه إلى ذلك؟

ولعل أهم ما يمكن قوله هو إن شخصية الأمير سلطان بن سلمان تمتاز بالتطلع دائماً للمستقبل وعدم الالتفاف للوراء، بل النظر إلى الأمام دوماً، غير أنه يتوقف بين الحين والآخر لمراجعة ما تم إنجازه كي يتقدم في مسيرته المبهرة، والتي نقلت التراث الأثري السعودي إلى مرتبة عالية من الصيانة والحفظ؛ والاستفادة منه. ويشير الأمير في كتابه وفي أكثر من موضع إلى أنه كان يستفيد من الأخطاء لكي يتم تفاديها في المشروعات المستقبلية. وسوف نجد أن جني ثمار التخطيط الجيد والإدارة الواعية جاء من خلال وجود نقلات ومواقف عديدة حدثت خلال سنوات التأسيس للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والتي ولدت عملاقة.

وبالفعل تحولت الأحلام الموجودة لدى الأمير سلطان وقافلة العاملين إلى حقائق واقعية ونتائج مذهلة... ويروي لنا الأمير أن رؤيته كانت تقاس على مدى تأثير ما يحققه من أعمال مع الآخرين؛ ولذلك هذا الانشغال قد يشير إلى القيادة التي تود أن تعبر الجسور للنجاح وتسعى دوماً لازدهار وطنها ورفعة مواطنيها... وقد تأخر جني ثمار النجاح؛ وذلك لوجود الكثير من الصعاب التي واجهت مجموعة العمل وقائدها، وهنا قد نسجل بعض مظاهر النجاح أو جني الثمار، ونحن نرى نقلات بارزة خلال مسيرة الهيئة الحافلة، ويتضح لنا مدى أهمية وتفاعل الدور التكاملي الذي قامت به قيادة الهيئة مع الشركاء الفاعلين في عملها، وحجم التأثير الناتج من تغير نظريتهم لطبيعة العمل بفضل تضافر الجهود وإنجاز الأهداف والعائدات المضاعفة التي قد تفوق أحياناً طموحات كل طرف لو حاول تحقيقها بمعزل عن الآخرين.
ومن هنا كان مبدأ الأمير سلطان هو التمسك بالشراكة كما يعمل مع رفقاء الدرب من أجل المصلحة الوطنية والشاملة للوطن والمواطنين والحفاظ على التراث الحضاري الوطني... ومن هذا المنطلق، ومن خلال هذه الثوابت المؤسساتية، نجحت الهيئة في تطبيق عدد من التجارب من أجل تطوير السياحة في المملكة مثل تجربة رالي حائل، وتطوير أواسط المدن التاريخية، والأسواق الشعبية مثل تجربة الطائف، وتجربة وسط مدينة الهفوف التاريخي، وتطوير المتنزه الوطني في الطائف، ومشروع مدينة عكاظ، والمشاركة في تطوير الجنادرية والاستثمار في الضيافة التراثية والنزل الريفية، وبرنامج القرى التراثية، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج تنمية الحرف والصناعات اليدوية، وتنمية مجال الحرف اليدوية والأسر المنتجة، واسترداد المهنة باستثمار الحرف اليدوية. وأنا شخصياً أعتقد أن جني الثمار قد نراه في توفير كوادر شابة واعدة، وذلك من خلال المركز الوطني لتنمية الموارد السياحية، وإنشاء كلية للسياحة والآثار، بالإضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وبناء المتاحف، وإقامة المعارض الدولية عن روائع المملكة، وتأسيس عدد من المراكز البحثية والتراثية. نعم أصبح الخيال ممكناً، ويوماً بعد يوم نرى تغييراً إيجابياً في الفكر العام والنظرة إلى الآثار والتراث.