مصطفى السعيد 

سنحت الفرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو لشن حرب لا هوادة فيها على سوريا وإيران، وتنفيذ وعيده الذى يردده دائما بضرورة القضاء على قوتهما العسكرية، عندما شنت سوريا هجوما صاروخيا على أربعة مجمعات عسكرية إسرائيلية فى الجولان السورى المحتل، وبدا أن إسرائيل متحمسة للحرب للوهلة الأولي، وعقدت اجتماعا طارئا لمجلس الأمن المصغر قبل فجر الأربعاء لبحث خطوات الرد، لكنه اقتصر على إطلاق صواريخ من طائرات لم تدخل المجال الجوى السوري، وسرعان ما طلبوا التدخل الدولى لمنع تدحرج الاشتباكات إلى حرب واسعة، والإعلان أن إسرائيل لا تريد توسيع المواجهات، وبالفعل تمكنت الاتصالات الروسية مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا من جانب ودمشق وطهران من جانب آخر فى تطويق الاشتباكات، ليبقى السؤال: لماذا يدق نيتانياهو طبول الحرب بكل قوة، ويدعو إلى توجيه ضربات قاضية لكل من إيران وسوريا وحزب الله، وعندما تواتيه الفرصة يدخل إلى الملاجئ مطالبا بوقت تدحرج الاشتباكات؟ هنا يكمن سر رفض نيتانياهو الاتفاق النووى بين الدول الكبرى وإيران، والذى نجح فى إقناع الرئيس الأمريكى ترامب بإلغائه من جانب واحد، فالرؤية الإسرائيلية ليست مع تأجيل المواجهة مع إيران، وعدم الاكتفاء بمنعها من امتلاك سلاح نووي، وإنما مع إنهاء القدرات العسكرية لطهران تماما، مثلما حدث مع العراق، وهو ما جاء فى كلمة نيتانياهو أمام الكونجرس الأمريكى أثناء حكم الرئيس الأمريكى السابق أوباما، واستعرض فيها الخطر الإيراني، وما تمتلكه إيران من مقومات القوة العلمية والاقتصادية والعسكرية، وليس فقط النووية، ونيتانياهو صاحب مقولة «طالما أن الحرب مع إيران حتمية، فلتكن الآن أفضل من الغد»، فهو يرى أن إيران ستصبح أكثر قوة، ولهذا يتعجل الحرب، فلماذا تجنبها نيتانياهو عندما حانت الفرصة؟

لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلى أن تدفع إسرائيل الثمن الأكبر لأى مواجهة مع إيران، ولهذا يرى ضرورة تشكيل تحالف دولي، وأن يتولى هذا التحالف شن الحرب، وأن تكون إسرائيل مجرد عضو فى هذا الحلف، الذى يشن لها الحرب ويدفع الثمن، لتكون أول الرابحين وأقل الخاسرين، ومن هنا يمكن أن نستنتج الخطوات التالية لإلغاء الإتفاق النووي، فسوف تسعى تل أبيب وواشنطن للضغط على أوروبا للخروج من الإتفاقية، وهو ما بدأه ترامب بمنح الشركات الأوروبية مهلة تتراوح بين ثلاثة إلى تسعة أشهر لإنهاء تعاملاتها مع طهران، وإذا لم تفعل فإن واشنطن ستطبق العقوبات على الشركات الممتنعة عن مقاطعة إيران، وبهذا تخرج أوروبا من الاتفاق النووي، وتضطر طهران إلى تمزيقه، بعد أن أصبح بلا قيمة، وتعاود برنامجها النووى بوتيرة أسرع، وترفع من معدلات تخصيب اليورانيوم، لتبدأ حملة دولية على إيران لأنها تهدد المنطقة والعالم، ولا يكفى حصارها، وإنما القضاء العسكرى على قدراتها النووية والصاروخية.

هذه خطة نيتانياهو التى رفضها أوباما، ورأى أنها تحمل الكثير من المخاطر والمجازفات، ورأت إدارته الاكتفاء بالتوصل إلى اتفاق يضمن عدم إنتاج طهران للقنبلة النووية، وهو ما يتمسك به عدد من كبار المسئولين السياسيين والعسكريين فى الولايات المتحدة، ويعارضون انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ويشاركهم فى الرأى قادة ألمانيا وفرنسا وحتى بريطانيا، وينظرون إلى خطوة ترامب بالغامضة التى لا تقدم بديلا معقولا، لكن يبدو أن البديل الذى يقدمه نيتانياهو هو ما يتبناه ترامب، لكنه بديل يحمل فى طياته مخاطر جسيمة على المنطقة، فسيناريو العراق غير قابل للتكرار، فالقدرات العسكرية الإيرانية أقوى بكثير، كما أن إيران لديها روابط إقتصادية قوية بكل من الصين والهند وروسيا، ولن تتضرر كثيرا بالعقوبات والحصار الذى اعتادته لعدة عقود، وستكون الأضرار أقل بعد عودة روسيا للساحة الدولية، والنمو الكبير للاقتصاد الصيني، واستيراد الصين والهند نصف صادرات إيران النفطية، وأصبحت روسيا حليفا عسكريا واقتصاديا، فقد زودتها روسيا بمنظومة إس 300، وتعتزم توسيع التعاون العسكرى معها، وتمديد شبكة السكك الحديدية إلى طهران، وربما إلى المحيط الهندى جنوبا وبغداد ودمشق غربا، وكذلك سيمر بها طريق الحرير الجديد الذى ترعاه الصين، وهذا يعنى أن العالم قد تغير كثيرا خلال العقدين الأخيرين، وما كان ممكنا قبل هذا الوقت لم يعد كذلك الآن، والجيش السورى بعد 8 سنوات من الحرب الشرسة أصبح أكثر خبرة وتنوع تسلحه، كما أن نتائج الانتخابات العراقية التى جرت أمس سوف تعزز النفوذ الإيرانى فى العراق، بعد أن تخلص من داعش وبيئته الحاضنة وإضعاف مسعود البرزانى وحزبه المقرب من واشنطن، وهو ما سيزيد صعوبة حصار إيران وشن حرب دولية عليها، كما أن الفشل العسكرى والسياسى الأمريكى فى العراق سيكون ماثلا لأمريكا وحلفائها، ولن تجد واشنطن من يشاركها بحماس فى مثل هذا التحالف.