سمير عطا الله

 أسأل نفسي أحياناً؛ إلى أي مدى أتأثر بالدعاية؟ رجل عادي في مواصفات عادية أعيش - والحمد لله - حياة طبيعية. أكتشف أنني أحياناً لا أتأثر بشيء؛ بل بالعكس... كلما زادت دعاية من حولي ازددت نفوراً من غايتها. وأحياناً، مثل طفل غير مجرب، أرى نفسي مأخوذاً بإشاعة صغيرة. في الحالتين؛ الميزان هو المشاعر الشخصية.

أعادتني الحملة الانتخابية في لبنان إلى التساؤل. بعضهم صرف عشرات الملايين لم تؤثر في لحظة. وبعض الحملات لبعض المرشحين جعلتني أنفر عن المشاهدة برمّتها، عندما حاول المال الكثير تنظيف البقع الكثيرة. كل المال الذي صُرف لم يستطع إقناع الناس بجدوى الاقتراع.
هل أنا ناخب صالح؟ لا. أنا ناخب ضعيف، من حسن حظي أن الذين أحبهم من خيرة الناس. وعليهم إجماع. هل كان يمكن أن أنتخب أحداً سيئ السمعة؟ أبداً. هل يغير فوزه أو سقوطه شيئاً في موقفي؟ لا. لكنني خلال هذه الحملة رأيت الناس من حولي تؤخذ بالجرف الدعائي. وكان جوزيف غوبلز حاضراً في كل مكان ومعه قبعاته وأرانبه، والناس من خلفه كما شرطة البلدية في مسرحية «المحطة» للأخوين الرحباني، تسير خلف الشاويش؛ شمال شمال، شمال يمين. ثم، شمال يمين، يمين شمال.
فقد الاتحاد السوفياتي 13 مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية، وفقد الأميركيون أربعمائة ألف. وربحت الحرب هوليوود. كان عندها جون واين، وكلارك غيبل، وجيمس ستيوارت. والروس لم يكن لديهم مصورون ولا مخرجون ولا من ينتج الأفلام الضخمة حول معارك المحيط الهادي. البريطانيون ربحوا معركة «العلمين» على أريك رومل؛ أهم جنرالات ألمانيا، في السينما أكثر مما على الأرض. لو خسرها الإنجليز، لما كنا سمعنا عنها شيئاً.
شعرت بحماس حيال مرشح الرئاسة بيل كلينتون لأسباب سطحية، كتلك التي أثّرت في معظم الأميركيين العاديين. شاهدته يسحب «الساكسوفون» بعفوية ويعزف طويلاً حزيناً مثل بطل «من هنا إلى الأبدية». وقررت أن هذا الضعيف هو «بطلي» وليس المتغطرس جورج بوش الأب.
عندما أحيل كلينتون إلى الاستجواب في قضية مونيكا لوينسكي، كنت أمضي الساعات في المتابعة. ليس بدافع مهني، بل لأنني أتمنى أن ينتصر على الزمرة التي كانت تطارده بزعامة بوب نيوت. وفي النهاية، اكتشفت أن لا شيء يميزني عن قرّاء الـ«صن» التي أرفض قراءتها حتى مجاناً، لأن في ذلك إهانة للمستوى العقلي عند الناس. مثلهم نسيت أن كلينتون يرسل الطائرات ليقصف دول البلقان ويأمر بغزو هايتي. وانصرفت إلى أخبار مونيكا.
الدعاية تستهدف الجميع. وعليك أن تحدد نسبة التصديق. صوَّرَ الغرب والروس ألمانيا بعد الحرب (أو اليابان) على أنها الشر الأكبر، وساعدهم في ذلك تعديها وسلوكها. لكن الغرب والروس يحاولون الآن استدرار العطف، وحتى الإعجاب لألد أعداء الحرب.