سلمان الدوسري 

منذ الخامس من يونيو (حزيران) من العام الماضي، عندما بدأت مقاطعة السعودية والإمارات ومصر والبحرين لجارتهم قطر، والدوحة تقترب بسرعة الصوت من جارتها على الضفة الشرقية من الخليج العربي، إلى أن غدا البلدان يتشابهان في إدارة أزماتهما وليس فقط يقتربان من بعضهما، ليس لأن هناك 13 شرطاً وضعتها الدول الرباعية للعودة عن المقاطعة، ولا لأن هناك 12 شرطاً آخر وضعتها الولايات المتحدة للعودة عن معاقبة إيران، بل لأن هناك كثيرا من المتشابهات بين السياسة القطرية ونظيرتها الإيرانية وضعت أزماتهما في فوهة المدفع وتركتهما وسط بركان لا يخمد، فالدوحة غير قادرة على الخروج من أسوأ أزمة تشهدها عبر تاريخها، وطهران وجدت نظامها فجأة في مواجهة أشد العقوبات قسوة على مر التاريخ، وربما يبدو النظامان مختلفين من حيث الشكل وهذا صحيح، إلا أن تعاطيهما السياسي مع أزماتهما فيه تشابه إلى حد كبير، وأبرز عناصر التشابه بينهما تجاهل الدولتين عن عمد حجم التغيير الذي شهدته المنطقة والعالم، فلا قطر استوعبت أن المرحلة الحالية للدول التي قاطعتها مختلفة عما سبق، عندما كانت الدوحة تستطيع تغطية سوءات أعمالها بكثير من الخداع وشيء من الكذب، ولا إيران قرأت التغيير الهائل الذي حدث في البيت الأبيض منذ انتخاب دونالد ترمب، معتقدة أن رفع الصوت والتهديدات الكلامية قادرة على تخفيف خسائرها.


أول المشتركات أن الدولتين لا تستطيعان، وفق سياستهما القائمة، القيام بالمطلوب منهما أساساً، فبنية النظامين قائمة على المضي في سياسات المراوغة والتحالف مع الجماعات والميليشيات الإرهابية بطريقة مستترة تارة وبالعلن تارة أخرى، وهنا لا بد من الاعتراف أن الدعم القطري للجماعات المتطرفة أقل بقليل من نظيره الإيراني. أما المشترك الثاني فرغم أن المطلوب من الدولتين هو نفسه المطلوب من جميع الدول حول العالم، لكنهما تتهربان من القبول به وتصران على الاستمرار في سياستهما الحالية تحت ستار السيادة المزعومة، حتى لو تسبب ذلك في تعقيد الأزمة وإطالة أمدها. المشترك الثالث أن التحالف بينهما أصبح أكثر قوة ومتانة مما كان سابقاً بفعل تعقد أزماتهما، فكل طرف يجد المأوى والصدى المناسب لسياسته لدى الطرف الآخر. ويبقى المشترك الرابع أن الدولتين تتشاركان في دعم الميليشيات، فإيران تدعم الميليشيات الشيعية المتطرفة في سوريا، وقطر تفعل الشيء نفسه مع ميليشيات سنية متطرفة كما جبهة النصرة، بالإضافة إلى أن طهران تدعم بشكل واضح وصريح ميليشيا الحوثي عسكرياً وسياسياً في إطلاق صواريخهم ضد المدنيين في السعودية، وكذلك الدوحة تفعل الشيء نفسه سياسيا وإعلامياً.
بقي أن نشير أن كلا من إيران وقطر تواجهان خريطة طريق واضحة المعالم للخروج من أزماتهم المستعصية، استراتيجيتها تكمن في ممارسة الحد الأقصى من الضغط، مما يحث النظامين على تغيير سلوكهما قبل تفاقم تلك الأزمات لتكون أشد قسوة. خريطة الطريق هذه تتلخص في قائمة من المطالب على البلدان تلبيتها لتجنب الضغوطات وعودتها كدول طبيعية، وإلا سيبقى الحال على ما هو عليه مهما اشتدت ردات الفعل والمحاولات العبثية لتغيير الاستراتيجية المؤلمة الموجهة ضدها، وكما لم ينفع تعويل الدوحة على دعم غربي فشل في إيجاد ضوء في آخر نفق أزمتها، لن ينفع إيران دفاع الأوروبيين عن اتفاق نووي مات بعد انسحاب أقوى دولة في العالم منه.