حسام عيتاني

فات الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، في تغريدته أمس عن دخول حافظ الأسد وجنده لبنان «على دم كمال جنبلاط» وخروجهم على دم رفيق الحريري، أن من يخاطبهم لا يبالون كثيراً بالخوض في الدماء. لا دماء خصومهم السياسيين وأقل من ذلك بعد، دماء المدنيين الأبرياء.

كان جنبلاط يردّ على ما جاء في شهادة النائب جميل السيّد حول اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي حيث رأى السيّد أن الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي قد أصيب «بالجنون» بعد محاولة اغتيال النائب مروان حمادة بتفجير سيارة مفخخة في 2004. وذكّر جنبلاط في تغريدته بأن بشار الأسد، صديق السيّد، قد اغتال شعباً كاملاً هو الشعب السوري.

والحال أن تاريخ العلاقات العربية– العربية حافل بالاغتيالات الفردية والجماعة وأن ما من جماعة أو حزب أو دولة ذات شأن ترفعت عن الخوض في دماء خصومها وعن ذبح المدنيين عندما تحين ساعة الامتحان، بل أن جماهير واسعة من أنصار هذه الجماعات والأحزاب، لا ترى بأساً في اعتماد العنف والقتل والتصفيات الجسدية، الفردية والمعممة، أداة مقبولة في الممارسة السياسية.

مبررات وفتاوى وذرائع اللجوء إلى القتل، أكثر من أن تحصى. من العمالة للعدو إلى الكفر. ومن الانحراف عن العقيدة القويمة إلى الاختلاس والزندقة. كل صفة مختلفة عند الخصم، هي داعٍ كافٍ لقتله، معنوياً وسياسياً في البداية ثم جسدياً. كثير من القتلة كانوا أصدقاء ضحاياهم اللاحقين. والعديد من الضحايا كانوا في وقت سابق جلادي قَتَلتهم. دورة مفرغة من العنف والدم والثأر والاستباحة نسيمها «السياسة» في عالمنا العربي.

ليس العرب وحدهم من لجأ إلى العنف والاغتيال كوسيلة سياسية ولم يكونوا الأولين في ابتداع هذا الأسلوب، لكن في الوقت الذي أعيد النظر في هذا المنهج على نطاق واسع بعد الحرب العالمية الثانية في الكثير من البلدان، ما زالت فكرة القضاء الجسدي على الخصوم، أفراداً وجماعات، تحظى عندنا بتأييد واسع. ليس على مستوى العداء لدول تربطنا بها ذكريات من الدم والأشلاء والدمار، بل على مستوى الداخل واختيار النهج الأنسب في التعامل مع مَن يختلف عنا ومعنا في السياسة والهوية والطبقة.

كانت الانتخابات التشريعية الأخيرة في لبنان فرصة مهمة للتمعن في عمق الخطاب الهوياتي القاتل. وكانت تظاهرات الدراجات النارية والمواكب المسلحة التي أعقبت الانتخابات تمريناً على اجتياح مناطق الخصم إذا دق النفير. وحتى لا نحمّل جهة واحدة عبء التهديد بالعنف واستبطانه كلغة موجهة إلى الآخرين، يتعين الانتباه إلى أن ما من جماعة لبنانية أو مشرقية واحدة ستتردد في حمل السلاح ضد الطوائف والأحزاب والأفراد الذين ترى فيهم مصدر خطر عليها. ومن أكبر الطوائف إلى أصغرها، تسود لغة التهويل والتخوين والتهديد.

بهذا المعنى، يعاني كل منا من «جنون» ما. من رغبة دفينة في التجول وحيداً على هذه الأرض من دون إزعاجات يسببها له آخرون لا يتفقون معه في رؤاه إلى الدين والأخلاق والمصالح والثقافة والحياة والموت. رغبة تدفعنا إلى عدم الاكتراث بكل من يقف في طريقنا. حتى لو سرنا وحدنا بين الخرائب.