يوسف دياب

التطورات المتسارعة التي يشهدها لبنان، بدءاً من مخاض تأليف الحكومة العتيدة، وانتهاء بالملف الاقتصادي الضاغط، والتهديدات الأمنية الداخلية والخارجية، يبدو وكأنها حملت القوى السياسية على طي صفحة الانتخابات النيابية بكل خلافاتها، وتسهيل مهمّة الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة الجديدة. ومما لاحظه مراقبون التفاف قوى وشخصيات سنّية مستقلة أو منخرطة في معسكر «8 آذار» حول الحريري، وإعلان دعمها الصريح له في مهمّة تشكيل الحكومة.


وفي حين لفت البعض دعم سنّيي «8 آذار»، الذي تجلّى في تسميته رئيساً للحكومة الجديدة، وإعلان الرغبة بالتعاون معه في المرحلة المقبلة، عبّرت مصادر مقربة من الرئيس سعد الحريري، عن ارتياحها للإيجابية التي تبديها الشخصيات السنّية الموجودة خارج اصطفاف تيّار «المستقبل» وقوى «14 آذار»، معتبرة في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «هذه الشخصيات بدأت تتعاطى مع الواقع الذي أفرزته الانتخابات النيابية، وكرّست الحريري زعيماً مطلقاً للطائفة السنيّة». 
ووصفت مصادر الحريري هذا الموقف بأنه «جيد، ويدلّ على وعي سياسي وعدم مكابرة، ويعبّر عن رغبة بتقوية موقع رئاسة مجلس الوزراء». 
ورأت أن ذلك «قد يؤدي إلى فتح صفحة جديدة في العمل السياسي؛ لكنّ الأهم ألا تكون العملية محاولة إحراج لرئيس الحكومة، ومجرّد دعم لفظي يقابله إحراج سياسي».
جدير بالذكر، أن قيادات وشخصيات سنيّة كانت قد خاضت معارك انتخابية شرسة ضدّ الحريري وتيار «المستقبل» خلال الاستحقاق الانتخابي الذي شهده لبنان في السادس من مايو (أيار) الماضي، إلا أنها عادت وسمّت الأخير رئيساً للحكومة، أبرزها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والنائب فؤاد مخزومي، وشخصيات سنيّة تتموضع في معسكر «8 آذار»، منها الوزيران السابقان عبد الرحيم مراد، وفيصل كرامي، والنائب عدنان طرابلسي، المنتمي إلى «جمعية المشروعات الإسلامية»، التي تعرف باسم بـ«الأحباش».
في المقابل، على الرغم من الإيجابية التي تطبع هذه المواقف، فإن الحريري وفريقه يرفضان أي دعم مشروط أو خاضع للمساومة والابتزاز السياسي. وحسب رأي المصادر المقربة من الحريري: «إذا كان الدعم عن قناعة سياسية فهذا شيء إيجابي، أما إذا كان للمبارزة والإحراج ووضع شروط مسبقة في مسألة تأليف الحكومة، وربطه بتوزير أشخاص، فإن ذلك يوصل إلى نتيجة سلبية». ومن ثم، أملت المصادر في «أن يكون الدعم عن قناعة من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي». 
ورأت أن «هذا النهج من التعاون الصادق وغير الخاضع للمساومات يعزز مدّ الجسور مع الجميع، خصوصاً أن الرئيس الحريري أثبت أنه رجل التسوية والحوار والتواصل بين كلّ الطوائف، فكيف بالحري مع مكوّنات الطائفة السنّية». 
هذا، وكان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي - على رأس كتلته المكونة من أربعة نواب - أولى الشخصيات السنيّة التي سارعت إلى تسمية الحريري رئيساً للحكومة، رغم المواجهة الانتخابية الشرسة التي دارت بينهما في دائرة الشمال الثانية، وحملات التخوين والاتهامات المتبادلة بين الطرفين. 
واعتبر خلدون الشريف، المستشار السياسي لميقاتي، لـ«الشرق الأوسط»، أن دعم الأخير للحريري ليس غريباً عن سلوكه. وأكد أن «الرئيس ميقاتي يتخذ هذا الخيار؛ لأنه يعتبر نفسه حارس مرمى صلاحيات رئاسة الحكومة». وتابع الشريف: «لم يتردد الرئيس ميقاتي في تسمية الحريري رئيساً للحكومة العتيدة؛ لأنه يعتبر أن رئيس الحكومة يفترض أن يصل قوياً إلى هذا الموقع بنسبة تأييد نيابية كبيرة، توازي النسبة التي انتخبت الرئيس نبيه برّي لرئاسة البرلمان، والتي انتخبت العماد عون لرئاسة الجمهورية».
ويعطي الشريف تفسيراته السياسية لتبدّل موقف رئيس الحكومة السابق من الحريري فور انتهاء الانتخابات مباشرة، ويشير إلى أن الرئيس ميقاتي «يمثل عمقاً سنياً ووطنياً كبيراً، وهو حريص على أن يبقى موقع رئاسة الحكومة قوياً. وبالتالي، فهو سيتعاون مع الحريري تحت هذه العناوين»، مذكراً بأن ميقاتي «سبق وقال للحريري لن تكون هناك عداوة بيننا، وكل خطوة تخطوها نحوي، سأقابلها بخطوتين». وأردف الشريف: «نتوقّع أن يقابل الحريري الإيجابية بالإيجابية نفسها».