مصطفى زين 

«تركيا القوية تحتاج إلى زعيم قوي»، هذا هو شعار أردوغان لخوض الانتخابات في 24 الجاري. يضمر الشعار تحدياً كبيراً لمنافسيه الذين أظهروا «ضعفهم» خلال السنوات الـ15 من توليه السلطة وبناء قوته داخل حزب «العدالة والتنمية» بإقصاء المعارضين، وفي مقدمهم صديقه الرئيس السابق عبدالله غل، ثم بتشكيل جيش من قوات الأمن مواز لجيش أتاتورك (حارس العلمانية)، وتقربه في البداية من الأكراد ثم الانقلاب عليهم. وسجل الاقتصاد، خلال مسيرته، نمواً ملحوظاً لا يستطيع خصومه نكرانه. وكان يركز طوال هذه السنوات على إسلامية تركيا موقظاً الحس الديني على المستوى الشعبي، في استعادة لتراث العثمانيين وفتوحاتهم في الشرق والغرب. ولم يتوان عن دعم المتدينين فسمح بالحجاب في المؤسسات العامة والخاصة وفي المدارس والجامعات. وعزز التعليم الديني الإجباري في مدارس «الخطيب» التي تخرج أئمة المساجد.


واجه أردوغان خلال اتخاذه هذه الإجراءات مقاومة عنيفة من الجيش والقوى العلمانية، لكنه استطاع التغلب عليها وأخضع القوات المسلحة لسلطته، وبدأ تطهير صفوفها من مناهضي سياساته فطرد عشرات الجنرالات (بعضهم انتحر أو اغتيل) بتهمة تدبير انقلاب ضده عام 2008 عرف باسم «أرغانيكون» (المطرقة) وأخضع القيادة لوزارة الدفاع وألغى المعاهد العسكرية، ثم استكمل عملية تطهيره بطرد المزيد من الجنرالات بتهمة التورط في انقلاب ضده عام 2016 بدعم من صديقه القديم المقيم في الولايات المتحدة عبدالله غولن. وأعاد تنظيم الصفوف بما يتناسب مع توجهاته، وحجته في ذلك إبعاد القوات المسلحة عن التدخل في السياسة، لكنه في حقيقة الأمر نقل ولاءها من الرمز مصطفى كمال أتاتورك وعلمانيته إلى الولاء لسياساته الداخلية والخارجية.

ولم يكتف أردوغان بـ «تنظيف» الجيش من خصومه، بل شن حملة واسعة على أساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث والمدارس والصحف، وما زال عشرات الآلاف من معارضيه يقبعون في السجون.

هذا في الداخل، أما في الخارج فاعتمد أردوغان سياسة الهجوم والتدخل في شؤون الدول الأخرى. وقف إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر خلال تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية. واشترك مع الحلف الأطلسي في الحرب على ليبيا، ولم يتأخر في دعم المعارضة المسلحة في سورية، وفتح لها معسكرات تدريب، كما فتح الحدود أمام كل من يرغب في قتال النظام، ونظم المؤتمرات السياسية في إسطنبول وأنطاليا لدعمها. وهو الآن يحتل أجزاء من الشمال السوري ويحاول الاتفاق مع الولايات المتحدة وروسيا لإبعاد الأكراد من هذه المنطقة، ولا ننسى تدخله العسكري في العراق وإقامته قاعدة عسكرية في سهل نينوى، وتحالفه مع مسعود بارزاني ضد بغداد، ثم انقلابه عليه. كما استخدم ويستخدم القضية الفلسطينية ليظهر كمدافع عن غزة، فيما تزداد علاقات أنقرة وإسرائيل رسوخاً، خصوصاً على المستوى التجاري. وأرسل قوات إلى الدوحة فور اندلاع الأزمة الخليجية، وعمَق علاقاته مع إيران.

في اختصار، يحاول أردوغان أن يستعيد دور إسطنبول العثمانية في محيطها العربي والآسيوي، وتشكيل حلف مبني على أساس الأيديولوجيا الإخوانية، وهو يذكِر دائماً بقوة المسلمين (اقرأ قوة تركيا) وفتوحات السلاطين في الشرق والغرب.

متسلحاً بهذه «الانتصارات» يخوض أردوغان الانتخابات في مواجهة خصوم لم يستطيعوا توحيد جهودهم في السابق، ويطرح نفسه «رئيساً قوياً لتركيا القوية». لكن هذه الانتصارات، خصوصاً تلك القائمة على قمع المعارضة ونشر الخوف بعد انقلاب 2016 دفعت حزب «الشعب الجمهوري الاشتراكي الديموقراطي» إلى ترشيح محرم أنجه وهو أحد قيادييه الأقوياء، وعقد تحالفات مع الأحزاب المعارضة على أساس العصبية القومية وعلمانية أتاتورك، من دون أن يطرح أي شعار مناهض للتوجهات الدينية الشعبوية.

قوة أردوغان تشكل نقطة ضعفه في الانتخابات المقبلة.