فاطمة السهيمي

إن العيد ليس مناسبة لاجترار الأحزان والآلام على طريقة المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد..؟!، وليس مناسبة مُثلى لاستدعاء جراح الأمة وانكساراتها

انقضى شهر رمضان الكريم، واعتاد الناس على توديعه بالدموع والأحزان، رغم أن الله سبحانه وتعالى شرع لهم العيد بعد نهايته مباشرة في إشارة ربانية إلى أن الأجر لا ينال بطول التوجع والألم، ولكن اعمل في رمضان ما استطعت، ثم افرح بالعيد ما استطعت.


رمضان شهر واحد، ولو علم الله أن امتداده أكثر من ذلك في صالح العباد لامتد لأشهر، ولكن الله بعباده خبير بصير. رمضان شهر واحد حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول، الذي هو الجيل الذهبي للبشرية منذ أن وطأت قدما آدم على هذه الأرض، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لو يطيق أحد أن يمتد رمضان أكثر من شهر لكانوا هم أولى به منا، لكن الإنسان هو الإنسان يحتاج للانقطاع للعبادة حتى يكاد ينسى الدنيا وما فيها، ويحتاج بالمثل لأن يفرح ويعيش الأعياد ويحتفل بها، ويطلق روحه تحلق في سماوات السعادة والانشراح، هذا ما شرعه الله لنا عندما شرع عيد الفطر بعد رمضان مباشرة.
من حق المؤمن أن يفرح، ويكافئ نفسه، ولذلك حرم الله الصوم نهار العيد مهما كانت الأسباب، ليس لأن الصوم ضد السعادة، ولكن لأن الاستمتاع بالطعام والشراب من دواعي الفرح، ومن مباهج العيد أن تشارك أحبابك طعامهم وشرابهم ويشاركونك.


لِمَ يضنّ المسلم على نفسه بالفرح..؟! وما العلاقة بين ذلك وبين تقوى الله، وهل السعادة حصر على غير المسلمين، ومن الذي أفتانا بهذا؟!
أليس الله سبحانه وتعالى هو من يقول في سورة النحل: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، فالحياة الطيبة في الدنيا لا يمكن أن تخلو من السعادة والفرح وانبساط الروح وانشراح القلب..
أليس الله هو من تحدث عن أفراح المؤمنين صراحة في قوله تعالى في سورة الروم: (في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون).
فالفرح حق مشروع للمؤمن، بل إن المؤمن دائما باسم الثغر منشرح الصدر، وهكذا كانت الابتسامة التي هي مرسول الفرح والسعادة لا تفارق محيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين يغيب الفرح عن المرء فهذا يعني أن خطواته تباعدت عن الله عز وجل، وفقد شيئا من إيمانه وتقواه ويقينه..
قال تعالى في سورة مريم: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى). 
إن تحريم أو تجريم أو تقزيم الفرح وحرمان النفس منه ليس من الإسلام في شيء، ولسنا بحاجة للقول إن لهذا الفرح شروطا وضوابط، فالمسلم منضبط بأوامر الله في أفراحه وأتراحه، ويعلم يقينا أن الله الذي كان معه رمضان هو الله الذي معه في العيد، وأن الله الذي شرع له الانقطاع للعبادة في رمضان، هو نفسه من شرع له الانطلاق والانتشاء بفرحة العيد.
جهزوا عيدياتكم وملابسكم الجديدة.. أكثروا من شكر الله على تمام الشهر وحلول العيد وأنتم تنعمون بالخير بين أحبابكم، أطلقوا أقواس قزح في سمائكم، احتفلوا مع أهلكم وأطفالكم، أخرجوا آباءكم وأمهاتكم مهما بلغ عجزهم إلى العيد، وإذا عجزتم عن ذلك أحضروا العيد لهم، حققوا جميع الحِكم التي من أجلها شرع الله لنا العيد، من التواصل والتسامح والتكافل والفرح والانطلاق.. أطلقوا الضحكات المحبوسة في أعماقكم.. فمن قال لكم إن العيد للصغار والأطفال مخطئ.. العيد للمسلمين كلهم بكافة أطيافهم وأعمارهم وأشكالهم وألوانهم..
إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، والعيد من مكرمات الله.. فأين أثر العيد علينا..
إذا كان الله يحب.. لاحظوا كلمة يحب، يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه في الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان، أفلا يحب أن تفرح بعيده الذي شرعه لك.
كيف وقد أباح لنا الفرح بنهاية كل يوم لأننا أفطرنا وتحللنا من بعض الممنوعات، دون أن يكون في ذلك بأس ولا تثريب، فقد تخلصنا من الممنوعات بأمر الله إلى المباحات، وفي ذلك مدعاة للفرح والسرور.. كما يشير إلى ذلك الحديث الذي رواه مسلم: «للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه». فإذا كان الفرح بتمام يوم واحد حق مشروع لنا، فإن لتمام الشهر فرحا أكبر اسمه العيد.
إن العيد ليس مناسبة لاجترار الأحزان والآلام.. على طريقة المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد..؟!، وليس مناسبة مُثلى لاستدعاء جراح الأمة وانكساراتها، بل هو شُرفة نطل منها على الفرح، ونستنشق عبير الحياة ونسائم السعادة التي تعيد إلى أرواحنا المتعبة شيئا من ألقها وبهائها..
وبقي أن أقول لكم شيئا.. لا ينبغي أن تكون ملاكا طاهرا مطهرا حتى تحتفل بالعيد، بل افرح بالعيد كما أنت.. اشكر الله على نعمائه واظهر فرحتك بفضله ومكرماته، أخبره سبحانه، وأنت تطلق تكبيراتك وأفراحك في الفضاء أنك تعلم أن رحمته ومغفرته أوسع من ذنوب أهل الأرض قاطبة، ولذلك أنت هنا لتحتفل بالعيد..
فأهلا أهلا بالعيد..مرحب مرحب بالعيد..