أحمد يوسف أحمد 

أكتب هذه السطور ومعركة الحديدة قد بلغت ذروتها بإعلان الجيش اليمني تحرير مطار الحديدة وإنكار الحوثيين، وهو أمر لا يعنيني ليس لأن يقيني بأن النصر في النهاية لا بد أن يكون من نصيب أصحاب الحق والمتمثلين في الحكومة الشرعية، لكن ما يعنيني تحديداً هو الضجة التي تثيرها دوائر غربية أبرزها بريطانيا والأمم المتحدة بدعوى القلق الشديد على تداعيات المعركة على الأوضاع الإنسانية،

ومن هنا المطالبة بوقف المعركة والبحث عن مخرج سياسي اتخذ شكل تحركات للمبعوث الأممي، بالإضافة إلى جلستين عقدهما مجلس الأمن بطلب من بريطانيا، وذكرت التقارير أنه بحث في أولاهما بتاريخ 11يونيو الجاري كافة السبل الكفيلة بإثناء «التحالف العربي» عن شن هجوم شامل على ميناء الحُديدة، ودعا وفقاً لتصريحات المندوب الروسي الرئيس الحالي للمجلس إلى خفض التصعيد العسكري باعتبار أن الكل قلقون من تداعياته، وشدد على أن المفاوضات بين أطراف الأزمة هي الطريق الوحيد للوصول إلى حل، وفي الجلسة الثانية بتاريخ 15 يونيو الجاري، دعا المجلس إلى إبقاء الميناء مفتوحاً، حيث إن أعضاء المجلس قلقون جميعاً من المخاطر المتعلقة بالوضع الإنساني في الحُديدة.

ويُشكر كل من أبدى قلقاً على الأوضاع الإنسانية بالحُديدة وتأثرها المحتمل بتداعيات العملية العسكرية، غير أن المرء لا يستطيع أن يغالب دهشته من هذا الاهتمام الفائق لاعتبارات عديدة، أولها أن الجيش اليمني مدعوماً بقوى التحالف يحاول منذ أكثر من ثلاث سنوات أن يعيد الشرعية إلى نصابها منذ انقلب عليها «الحوثيون» بالتحالف مع الرئيس السابق قبل انتفاضة2011، ولمن لا يعلم فإن «الحوثيين» هم مكون سياسي صغير في الخريطة السياسية اليمنية لم تتجاوز نسبتهم في مؤتمر الحوار الوطني 6%،‏ أما صالح فهو الرئيس الذي انقلب الشعب على نظامه. فبأي مبرر يكون لهم الحق في السيطرة على السلطة في اليمن، والأنكى أنهم مدعومون من إيران التي تتهمها تلك الدوائر الغربية «القلقة» على الحديدة بأنها مصدر للفوضى في المنطقة، والتي يتبجح مسؤولون فيها بأن صنعاء هي رابع مدينة عربية في إمبراطوريتهم، ثم إن هذه المعاني وجدت صدى كاملاً في مجلس الأمن، فأصدر عدة قرارات في الشأن اليمني كان أهمها القرار 2216 في 2015 الذي أكد على مرجعيات الحل، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ونتائج مؤتمر الحوار اليمني، وفرض عقوبات على زعيم «الحوثيين» ونجل الرئيس السابق، وحظر توريد الأسلحة لهم، وسمح بتفتيش السفن المتجهة إليهم في حالة الاشتباه في وجود أسلحة، وطالب «الحوثيين» بوقف القتال وسحب قواتهم من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها، ويعني هذا أن التحالف في عملياته العسكرية بما فيها معركة الحُديدة يستند إلى شرعية يمنية هي دعوة الحكومة اليمنية للتدخل لوقف محاولات «الحوثيين» السيطرة على كامل اليمن، وشرعية دولية تجسدت بصفة خاصة في القرار 2216.

ومرة أخرى سوف يرد «القلقون» بأن كل هذا صحيح، لكن مصدر القلق هو «الاعتبارات الإنسانية» وهنا يتساءل المرء فوراً عن غياب هذا «القلق» في معارك أخرى كانت التداعيات الإنسانية الكارثية تحدث فيها على مرأى ومسمع من الجميع دون أن يرتفع صوت واحد، فأين كان «القلق» عندما كان الضحايا المدنيون يتساقطون بالمئات من جراء غارات التحالف الدولي في معارك تحرير الرقة والموصل وغيرهما، بل إن بعض التقارير أفاد في حينه بوجود شبهة تعمد من قبل بعض الفصائل في استهداف مواطنين سُنة أبرياء وممتلكاتهم، وإذا كان الهدف في تحرير الموصل والرقة من «داعش» نبيلاً بما برر السكوت على التكلفة الإنسانية للتحرير، فإن الهدف في معركة تحرير الحُديدة لا يقل نبلاً، ولماذا لم نسمع عن «قلق» تلك الدوائر عندما كانت قوات «غصن الزيتون» التركية تجتاح «عفرين» وتنهبها الفصائل السورية الحليفة لها؟ بل أين كان «القلق» عندما كان «الحوثيون» يعيثون فساداً وقتلاً واعتقالاً وترهيباً في صنعاء وغيرها بعد استيلائهم على السلطة، وإبان مذبحة الرئيس السابق وأنصاره بعد أن انشق عليهم؟ وللأسف فإن المرء لا يستطيع أن يتجنب الانطباع بأن ثمة علاقة ارتباطية بين «القلق» وبين قرب استعادة بلد عربي ما لعافيته وخروجه من الحلقة المفرغة للعنف! ولا يعني ما سبق من قريب أو بعيد الاستخفاف بالتكلفة الإنسانية للانتصار على قوى الشر، ولكن معناه أن الحسم في مواجهتها يبقى واجباً.