محمد صلاح 

يكره «الإخوان المسلمون» في العالم كله يوم 30 حزيران (يونيو) 2013، ويعتبرونه اليوم الذي أطاح أحلام الجماعة وخططها على مدى عقود في الخروج من الكمون إلى التمكين، فحين ثار الشعب المصري ضد حكم الجماعة في ذلك اليوم ظهر للعالم أن محنة «الإخوان» ليست مع الأنظمة الحاكمة والحكومات، وإنما صارت مع شعوب اكتوت بنار حكم الجماعة وتسلطها وديكتاتوريتها ورغبتها في القضاء على معارضيها، واستخدام الدين لقتل الإبداع والحرية.


منذ ذلك اليوم يسعى «الإخوان» وكل الجهات التي تناصرهم إلى محو الذكرى أو تحويلها إلى مناسبة للبكاء على الديموقراطية التي ضاعت والرئيس الشرعي الذي سُجن والرخاء الموعود الذي ضاع أدراج الرياح!

عموماً تأتي الذكرى الخامسة للمناسبة المبهجة للشعب المصري والمشهد السياسي في مصر صار من دون «إخوان» تحوّلوا إلى معاول للهدم ونشر الفوضى والخراب ودعم الإرهاب. انطلقت مصر لتداوي أوجاع الربيع العربي وآثاره وتسعى للخلاص من الإرهاب ودماره، وتجاوز مرحلة «الإخوان» وتداعيات حكم الجماعة لمدة سنة كاملة، لم تشهد فيها مصر على مدى تاريخها الطويل، فساداً أو فوضى أو ارتباكاً أو اهتراءً كما حدث لها في تلك السنة.

الشعب المصري الذي ثار وقتها على حكم «الإخوان» رفضاً لأخونة الدولة وحرصاً على هوية الدولة المصرية وثقافتها وتاريخها وتراثها واعتراضاً على أعمال القتل والتخريب وقمع المعارضة، وأصر على إطاحة محمد مرسي من المقعد الرئاسي ونزع السلطة عن جماعة «الإخوان المسلمين» لازال على موقفه من ذلك التنظيم الذي ظل كامناً لعقود ثم انتفض مع رياح الربيع العربي محاولاً التهام الدولة والانطلاق من مصر للهيمنة على الدول المحيطة والسطو على مقاليد الحكم فيها. وعلى رغم أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت عشرات أو قل مئات المحاولات والمؤامرات، ومورس خلالها التحريض من أجل دفع الشعب إلى ثورة جديدة، أو خداعه بأخبار كاذبة وهاشتاقات مفتعلة ووقائع مفبركة وأموال لا حصر لها تم إنفاقها لإقناعه بتغيير موقفه ليقبل بـ «الإخوان» في المشهد السياسي، لكن، من دون جدوى. غالبية الأطراف التي دعمت «الإخوان» وساندت تنظيمهم ووقفت خلفه منذ ضرب الربيع العربي المنطقة، وحملته ليجلس على قمة هرم السلطة في مصر، لا يزالون على مواقفهم يضربون رؤوسهم في حائط صعب ويحرثون في الماء وينتظرون ثورة لن تحدث والثأر من الشعب المصري والجيش والسيسي! على رغم أن المنطق وحقائق الأمور على الأرض وموازين القوى محلياً وإقليمياً ودولياً لا تشير أبداً إلى إمكان عودة «الإخوان» إلى الحكم مجدداً، وهناك أطراف إقليمية ودولية لازالت تساند «الإخوان»، فتقدم تركيا دعمها معنوياً ولوجستياً وتحتضن رموز الجماعة وتمنحهم الإقامات وحرية الحركة وتجهز لهم الاستديوات والقنوات، بينما قطر تنفق الأموال ليس فقط على الآلة الإعلامية للجماعة أو احتضان رموزها وعناصرها، ولكن أيضاً لدعم كل نشاط تعتقد الدوحة أنه يضر بمصر، فتذهب الأموال إلى منظمات إرهابية ووسائل إعلام غربية ومنظمات حقوقية أجنبية ومراكز بحثية دولية، لتمكينها من صنع صورة انطباعية سلبية عن مصر والحكم فيها.

خمس سنوات لم تتوقف خلالها محاولات دؤوبة للتخريب من دون جدوى، بينما لازال «الإخوان» وحلفاؤهم في أنقرة والدوحة وعواصم أخرى على حالهم، يخرجون من فشل إلى آخر، ومن هزيمة إلى أخرى، ويعتقدون أن «جماعتهم» في مصر تمر بمحنة ستخرج منها قريباً لتعود إلى مقاعد الحكم والسلطة!

أما قوى المعارضة الأخرى، بمختلف أطيافها السياسية فأكثر الجهات التي تعرضت للضرر والشتات والتشرذم، فجزء من المعارضة رضي بأن تمتطيه جماعة «الإخوان المسلمين» وصار ينفذ توجهاتها ويسعى إلى تحقيق أهدافها، وبعض رموز هذا الفريق رحل إلى تركيا أو قطر وتحالف مع الأشخاص والجهات نفسها التي تدعم وتمول وتحرض. وهناك قسم آخر سعى إلى تفادي الوقوع في أخطاء «الإخوان» ونأى بنفسه عن التورط في تأييد الجماعة واختار أن يعارض الحكم من دون أن يهدم الدولة، لكنه يتضرر بفعل محاولات «الإخوان» والجهات التي تدعم الجماعة ركوب موجة كل معضلة أو مشكلة أو أزمة أو قضية محل خلاف داخل مصر، إذ إن الناس بمجرد أن يلاحظوا إقبال «الإخوان» على استثمار هذه الأزمة أو تلك ينتفضون للتصدي لأفعال الجماعة ومؤامراتها فتصبح قوى المعارضة الأخرى في المربع نفسه مع «الإخوان». يدعو «الإخوان» الناس في مصر للخروج في ثورة، مع اقتراب الذكرى الخامسة لإطاحة حكم الجماعة ولا يدرون أن شعب مصر وعى الدرس جيداً ولن يخرج في أي ثورة مستقبلاً، مهما كانت معاناته، إلا للاعتراض على عودة «الإخوان» إلى المشهد أو لصراع مع الجماعة أو التغاضي عن جرائم تنظيم يسعى، وسيظل، إلى هدم الدولة المصرية على من فيها.