جيمس زغبي: مشاهد وأصوات الأطفال من أميركا الوسطى الذين اقتلعهم مسؤولو الدوريات الحدودية الأميركية من أحضان آبائهم، أضحت الآن منتشرة في أرجاء العالم. وكانت تلك التجربة صادمة لضحاياها ومؤلمة لمراقبيها، وقد أضرت ضرراً جسيماً بجوهر الفكرة الأميركية.

وفي يونيو الجاري، كان من المفترض أن نحتفي بـ«شهر تراث المهاجرين». وفي كل عام، أنتهز هذه الفرصة لأتذكر قصة هجرة أفراد أسرتي، والحرية التي كانوا ينشدونها بحثاً عن الفرص في أميركا وأوروبا، والصعوبات التي تحملوها، والتقدم الكبير الذي أحرزه في غضون جيل واحد فقط. وقد كتبت من قبل عن مدى استفادتي من مسار أسرتي، والاختلاف بين تجربة المهاجرين في أميركا وأوروبا. وتحدث زميلي «ميشيل بارودي» عن «كيمياء أميركا» التي أظهرت الإمكانات في كل جيل لتحول الناس من ثقافاتهم إلى أميركيين. وكيف تحولت أميركا نفسها في هذه الأثناء، لدرجة أنه يتعذر الحديث عن الجوانب الكثيرة في الثقافة الأميركية، من أطعمة وموسيقى وأزياء وحس فكاهي أو حتى أبطالنا المعاصرين.. دون الإقرار بفضل كثير من الثقافات التي أسهمت في جعل أميركا على ما هي عليه اليوم.

وفي الوقت ذاته، أشرت إلى أن هذا التاريخ من التعايش الشامل والجدير بالاحتفاء تشوبه آثامنا الأصلية، من العبودية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي إلى الغزو العسكري. ولعل التحدي الذي واجه كافة الأجيال الأميركية هو التصدي للموروث المتبقي من تلك الآثام، مع العمل على تحقيق الوعد بفكرة أميركية أفضل، وذلك ما حاولنا فعله من خلال «شهر تراث المهاجرين».

وأحاول حالياً تناسي مشاهد وأصوات الأسر عند الحدود، والدفاع في الوقت ذاته عن «الفكرة الأميركية» في ضوء ذلك الرعب. ولا أشعر بالارتياح تجاه تلك الردود الجاهزة من بعض الليبراليين الذين يقولون «إن ذلك لا يعبر عنا» أو «إن هذه ليست قيمنا»، في حين أنه كان حقيقة ما نحن عليه، ولا يزال حقيقياً في عصرنا الحالي، لاسيما أن الإدارة الراهنة التي يدعمها كونجرس جمهوري وشريحة كبيرة من الشعب الأميركي، ترغب في بناء جدار عازل، وتؤيد حظر دخول المسلمين، وتقبل التصريحات بشأن خطر دخول السود إلى أميركا، وإنهاء لم شمل الأسر، وتقييد دخول اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي.

ولدي أيضاً مشكلة مع أولئك الذين يخفقون في إدراك التأثير الواسع للمشاهد المروعة التي تتكشف عند حدودنا الجنوبية. فذلك الأمر لا يساوي، مثلما كتب البعض، كارثة ما بعد إعصار «كاترينا» التي ضربت إدارة بوش، لاسيما أن إخفاق الرئيس الأميركي آنذاك كان بسبب عدم كفاءة أو عدم فاعلية في أعقاب الإعصار. لكن ما يحدث الآن نتيجة لسياسات متعمدة ناجمة عن أيديولوجيا والهدف منها إلهاب حماسة أنصار الرئيس.

ومنذ سنوات، يتم تمهيد الساحة لسياسات كهذه من خلال تصريحات تُشيطن المهاجرين القادمين من الجنوب، وقد تم وصفهم كتهديد مدمر لدولتنا وثقافتنا وشعبنا. وبمجرد شيطنتهم بهذا الأسلوب، أضحى من السهل انتهاك حقوقهم وتبرير ذلك الانتهاك. فمثلا، وصف المعلقون على قناة «فوكس نيوز» صرخات الأطفال بأنها «تمثيل»، واعتبروا آباءهم «غير مؤهلين» بسبب تعريض أسرهم للخطر، في إشارة إلى أنهم يستحقون ما يحدث لهم ولأطفالهم.

لكن قصة المهاجرين حالياً لا تختلف عن قصة الأيرلنديين الذين فروا من المجاعة أو اليهود الذين هربوا من المحرقة أو الأوروبيين الجنوبيين الذين جازفوا بحياتهم هرباً من الحرب أو الصعوبات الاقتصادية أو القمع الشيوعي أو الفاشي.

*رئيس المعهد العربي الأميركي