سمير عطا الله

 يحذِّر الأستاذ فاروق جويدة، في زاويته في «الأهرام»، من إطلاق الأسماء الأعجمية على الشوارع والجادات في العاصمة الإدارية الجديدة. وهذا أمر عظيم. لكن في بلد هائل الحضارات، متعدد التاريخ، متمازج الثقافات، سوف يبدو الأمر معقداً قليلاً، رغم النيات.

أتخيل أن الجادة الرئيسية في العاصمة الجديدة سوف تكون جادة أو ساحة «النيل»، وليس من اللائق، أو العملي، ترجمة الكلمة اليونانية «نيلوس» إلى «نهر الوادي» لأن اسمه سيظل «النيل» في ست دول أخرى. ثم ماذا نفعل بما كتب في عظمته من شعر شوقي، وعلي محمود طه، وثرثرة حرافيش نجيب محفوظ؟
ولا بد من شارع - أو ساحة - يحمل اسم الإسكندرية، وهو اسم أعجمي أيضاً، من اليونانية، نسبة إلى الإغريقي الذي بناها. وينطبق القانون هنا على كليوباترة، فكيف نعرّبها إلا إذا اجتهدنا كما اجتهد المعربون الألى، الذين استخدموا التلفاز بدل التلفزيون، والحاسوب الحيسوب بدل أوسع مجمع معرفي في تاريخ الزمان.
تاريخ مصر العربي هو أبهى مراحلها، لكنه جزء من كل هائل. فلو قامت عاصمة ثانية، وحتى ثالثة، لا يمكن أن يحجب عنها رموز مثل رمسيس، وخوفو، وحتشبسوت. ولا يمكن أن يبدو التاريخ ساطعاً من دون محمد علي، وإبراهيم باشا، والخديو إسماعيل، ومن دون زنقة نعطيها لفرديناند دوليسبس، أو شامبليون الذي فك اللغز الأثري الأكبر. إن أحمد شوقي، أمير الشعراء العرب، كان خليطاً جميلاً من الأعراق - والثقافات. وحتى أسماء الثورات، يوليو ويناير ويونيو، غير عربية. فمصر التي احتضنت، كأقدم حضارات الأرض، كل هذه التحولات الكبرى، لا تستطيع أن تنكر على بُناتها مساهماتهم في لوحة الشرف.
أما اسم العاصمة الإدارية نفسها، فلا بد أن يعبر عن معنى وموقع أكبر دولة عربية. وكنت قد كتبت رسالة خاصة إلى الأستاذ صلاح منتصر في هذا الشأن، عندما افتتح في زاويته باباً شائقاً أمام اقتراحات التسمية، منطلقاً من صعوبة العثور على اسم يختصر مصر. كان الأمر سهلاً بين الدول التي لجأت إلى العواصم الإدارية على دولة مثل البرازيل، التي سمتها برازيليا.
إذا كان لا يزال باب الاقتراحات مفتوحاً عند الصديق صلاح منتصر، أرجو أن يسجل من قبلي هذا الاسم: أشرقت. مدينة أشرقت. العاصمة الإدارية أشرقت. أو أشرقت، مصر.