سلمان الدوسري

لا أحد يستطيع أن يحصر كم مرة في تاريخها منذ ثورتها عام 1979 هدّدت إيران بإغلاق مضيق هرمز. كلما حدثت أزمة، وما أكثر أزماتها، خرج أحد مسؤوليها للتهديد بذلك. وعلى مدار نحو أربعة عقود من التهديدات المتتالية، لم تفعلها طهران ولو لمرة واحدة، بل حتى في حرب السنوات الثماني ضد العراق وفي خضم ما كان يعرف بحرب الناقلات، وقام الأسطول الأميركي بمهاجمة سفن إيرانية، وكانت من أشهر هذه الهجمات الهجوم الذي وقع في أبريل (نيسان) 1988، وأدى إلى تدمير سفينتين حربيتين إيرانيتين، وحينها أيضاً هدّدت وتوعدت وأزبدت إيران بأنها ستغلق المضيق ومع ذلك لم تتجرأ.

الوعيد الجديد أتى على لسان الحرس الثوري الإيراني الذي أطلق تهديداً بشأن مضيق هرمز «إما أن يكون للجميع أو لا أحد»، وكذلك فعل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، يوم الثلاثاء، عندما لمّح إلى قدرة بلاده على منع شحنات النفط من الدول المجاورة، إذا ما استجابت الدول لطلب الولايات المتحدة بعدم شراء نفط إيران، وسريعاً ما ردّت القيادة المركزية الأميركية، الخميس، مؤكدة أنها وشركاءها يوفرون الأمن للمنطقة، قبل أن يعود رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، بالقول إن روحاني لم يقصد بكلامه عن عدم إمكانية تصدير نفط المنطقة إذا لم تصدر إيران نفطها، وهي السياسة الإيرانية المعتادة بإطلاق التهديدات والعودة عنها، ثم إطلاقها من جديد وهكذا،

فطهران تدرك العواقب التي يمكن أن تترتب على قرار قطع سير النقل في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. الواقع يقول إن إيران قادرة فعلاً على إغلاق مضيق هرمز، لكن من المستحيل عليها تحمل تبعات ذلك، وهي تعلم ذلك جيداً ولا يمكن أن تخاطر بتنفيذ تهديداتها، ليس لأن إغلاق المضيق الذي يمر منه 30 في المائة من النفط العالمي سيسبب أزمة طاقة عالمية، ولا يستبعد أن تصل أسعار النفط بشكلٍ كبير إلى 400 دولار للبرميل، وإنما لأنه سيكون أقرب إلى الانتحار الإيراني، فهو بمثابة إعلان حرب ليس فقط ضد الدول الخليجية المصدرة للنفط عبر المضيق، (تحمل ناقلات النفط كل يوم قرابة 17 مليون برميل نفط من إيران وقطر والإمارات والمملكة العربية السعودية والعراق)، وإنما أيضاً ضد المستوردين الرئيسيين، وهؤلاء ليسوا فقط الولايات المتحدة خصم إيران اللدود، وإنما يشملون الصين وأوروبا (نحو 80 في المائة من النفط المصدر عبر المضيق يتجه إلى الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة) وهو ما دعا الصين التي تعد من أقرب الشركاء مع إيران، إلى التحفظ على تهديد إغلاق المضيق ودعوتها إلى «أن تكرس نفسها لتكون جارة صالحة، وأن تتعايش سلمياً»، كما قال تشين شياو دونغ مساعد وزير الخارجية الصيني: «فإغلاق المضيق أخطر تهديد على هذه المنطقة، ويُعتبر إعلان حرب على جميع الدول التي تستورد النفط من الخليج».

لو كانت طهران قادرة واقعياً على السيطرة على المضيق الاستراتيجي لسيطرت عليه منذ اليوم الأول لثورتها، ولكنها تكتفي منذ ذلك الحين بإطلاق التهديدات اللفظية من أجل تخفيف الضغط عليها، وهذه المرة تفعلها من أجل محاولة إيصال رسائل لشركائها الباقين في الاتفاق النووي، لكي يساعدوها في إخراجها من أزمتها السياسية والاقتصادية الكارثية، أما دول الخليج فهي مطمئنة أن إيران لا تستطيع إغلاق المضيق، لأنه وبكل بساطة إعلان حرب على دول العالم، والنظام الإيراني أعجز من فعل ذلك وإعطاء العالم بأسره فرصة لكي يتضامن ضدها.