محمد الطميحي

من يعرف المملكة يدرك جيداً أنها لم تحالف أو تعادي أي دولة بناء على دين أو مذهب، وتشهد بذلك العلاقات المميزة التي تربطها مع الجميع، ما عدا تلك الدول التي تتعمد الإساءة لنا ولمكتسباتنا الوطنية..

يخطئ من يساوي بين الدور السعودي والإيراني في المنطقة، أو من يصور الصراع بين البلدين وكأنه صراع طائفي بين السنة والشيعة، ولا يعني أن تعتمد دوائر صنع القرار والمراكز البحثية هذه المقاربة واقعيتها بتاتاً، فالمسألة لها جوانب متعددة أكثر خطورة من حصر الخلاف في هذا الجانب.

من يعرف المملكة يدرك جيداً أنها لم تحالف أو تعادي أي دولة بناء على دين أو مذهب، وتشهد بذلك العلاقات المميزة التي تربطها مع الجميع، ما عدا تلك الدول التي تتعمد الإساءة لنا ولمكتسباتنا الوطنية.

قبل الثورة ورغم المطامع الإيرانية في الخليج وتضارب المصالح والتحالفات إلا أن الرياض حافظت على مستوى ما من العلاقة بين البلدين، وكان لديها تصور إيجابي لهذه العلاقة وهذا ما ترجمته الكلمة التي ألقاها الملك فيصل رحمه الله في حفل العشاء الذي أقامه على شرف الشاه محمد رضا بهلوي في العاصمة السعودية العام 68م عندما أكد أن «العلاقة بين البلدين تسير في الاتجاه الصحيح وتبنى على أسس من التفاهم والمحبة والتعاون، وأن هذا ليس بمستغرب بما أن الشعبين يجمعهما مبدأ واحد هو الإيمان بالله وبكتابه وبنبيه ويحكّمون شريعة الإسلام..».

لم تتضمن كلمة الملك فيصل حينها أي شيء عن الطائفية والمذهبية وهذا ما انسجمت معه كلمة الشاه بهلوي في ذات المناسبة، لأن هذا الخلاف المفتعل لم يكن معروفاً قبل الثورة الإيرانية العام 79م.

وحتى بعد صعود العمائم السود للسلطة في طهران والحرب الخليجية الأولى بين إيران والعراق حافظت المملكة على «شعرة معاوية» مع مختلف الرؤوساء الإيرانيين خصوصاً الرئيس محمد خاتمي الذي شهدت العلاقات في عهده تطوراً لافتاً لأنه باختصار منح الأولوية للتنمية في بلاده وانشغل عن التدخل في شؤون الآخرين، وهو ما أغضب معارضيه في النظام والحرس الثوري الذي وقف بشدة في وجه خططه الإصلاحية وساهم في عدم فوز التيار الإصلاحي الذي يدعمه بقيادة مير حسين موسوي في انتخابات 2005 م التي جاءت بأحمدي نجاد وبالمزيد من الممارسات التوسعية في المنطقة ودول الجوار.

للأسف.. أصبح العراق الذي وقف في وجه التمدد الإيراني إبان حكم صدام حسين الساحة الأبرز للنفوذ الإيراني حتى مع وجود الاحتلال الأميركي، وبعد أن كان هذا البلد جزءاً من محيطه العربي انسلخ من هذا المحيط ليقع في أحضان طهران التي لم تقدم له سوى الخراب والدمار والتخلف المغلف بغطاء ديني يدين بالولاء لمرجعية الولي الفقيه على حساب الوطن ومصالحه واستقلاله.

الانتخابات الأخيرة خير دليل على ذلك حيث تصدرت الأحزاب الدينية والميليشيات نتائج الانتخابات فيما أصبح الوطنيون في معظمهم خارج المعادلة.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه المملكة عن تخصيص مبلغ مليار ونصف المليار دولار لمشروعات إعادة إعمار العراق، وتمويل الصادرات السعودية لبغداد -وهو الرقم الأكبر في مؤتمر إعادة الإعمار في الكويت- لم يسجل المؤتمر أي تبرع أو مساعدة إيرانية للشعب العراقي إلا إذا اعتبرت طهران تجفيف الأنهار وسرقة الأراضي ونشر المخدرات وتصدير الأطعمة الفاسدة للعراق نوعاً من المساعدة والدعم.

في سورية المجاورة.. غابت الدولة فانتعشت الميليشيات التي كان ولا يزال هدفها الأول الحيلولة دون سقوط نظام الأسد ذلك النظام الذي حول بلاده إلى نقطة عبور للمنظمات الإرهابية وخط إمداد للميليشيات المرتبطة بإيران وعلى رأسها حزب الله في لبنان تلك الميليشيا التي سقط عنها قناع المقاومة بعد أن وجهت سلاحها لصدور اللبنانيين في السابع من مايو العام 2008 م وبعدها بسنوات لجيرانهم السوريين خدمة لعيون المرشد.

وما بين سورية ولبنان سنوات من الدعم السياسي والاقتصادي السعودي لاستقرار البلدين رغم ما يدعيه الأعداء من تحيز لطرف على حساب طرف آخر، وما اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام تسعة وثمانين إلا نموذج من الأيادي البيضاء للمملكة التي سعت لخلق بيئة من التعايش المشترك بين اللبنانين بكل طوائفهم.. أين كانت إيران حينها؟

في اليمن ها هي المملكة تقود معركة مصيرية لتطهير هذا البلد العربي الشقيق من مليشيا الحوثي التي ما أن انقلبت على الشرعية في صنعاء حتى بدأت في تهديد حدودنا وإطلاق الصواريخ الإيرانية على مدننا دون اكتراث لعواقب هذه التجاوزات على الشعب اليمني الذي أصبح فيما تبقى من مناطق تحت سيطرة الحوثيين رهينة بيد هذه الميليشيا الموالية لإيران.

كمواطن سعودي أرفض بشدة أن نكون في أي مقارنة مع إيران لأنها لن تكون أبداً ندّا للمملكة لا في أدوارها الداعمة للاستقرار في المنطقة، ولا في ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي على مستوى العالم.

وفي الوقت الذي يتهاوى فيه الاقتصاد الإيراني بالطريقة التي تدفع بطهران للمطالبة بحزمة مساعدات أوروبية للتخفيف من وطأة العقوبات الأميركية، ها هي المملكة تشهد حالة من التنمية الشاملة غير المسبوقة فيما تقود بنجاح معارك مصيرية على حدودها لدعم الاستقرار في محيطها الإقليمي رغم أنف عملاء طهران وميليشياتها... هذه المملكة وتلك إيران فأي مجالٍ للمقارنة؟.