"حزب الله" متوتّر جداً في هذه الأيّام، فالصورة التي شاءها لنفسه من فتح الجبهة اللبنانية "مؤازرة لغزة" انقلبت عليه، فلا هو بطل قومي بنظر الفلسطينيين، إذ لا تخدم أفعاله القطاع الفلسطيني بشيء مهم، ولا هو قوة تحريرية بنظر اللبنانيّين، إذ يضحي بهم من أجل "أجندة إيرانية"، ولا هو قوة حاسمة بنظر الإسرائيليّين بل مجرد "ورم مرجأ استئصاله"، إذ يُبدون ثقة عارمة بأنّ جيشهم يملك القدرة على القيام بعملية جراحية ناجحة للتخلّص منه! وعبثاً حاول "حزب الله" تبرير فتح الجبهة الجنوبية. سكان قطاع غزة يدركون أنّ هدف "المشاغلة" لم يتحقق، فالجيش الإسرائيلي بحاجة الى "مكاسرة"، وسكان لبنان يتقدمهم الجنوبيون أنفسهم يدركون أنّ "الوقائية" التي يكثر الكلام عنها، لا قيمة لها، ليس لأنّها ليست من مهام "المقاومة" فحسب، بل أيضاً لأنّ إسرائيل نفسها كانت تواصل قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي استكمال بناء الجدار الذي يفصلها عن لبنان، مصرّة على عدم العودة الى مستنقعه الذي غرقت فيه لسنوات طويلة قبل هروبها منه في العام 2000. ولم يكبر "حزب الله" في عيون المجتمع الدولي. الجميع تعاطوا معه كفصيل إيراني يهيمن على القرار اللبناني. قادة العالم تحدثوا في شأن "ضبطه" مع المسؤولين الإيرانيين الذين فرضوا عليه "الصبر الاستراتيجي" الذي لا يعني سوى تحمّل الخسائر. والمسؤولون الدوليون لم يتوافدوا الى لبنان، للوقوف على خاطر "حزب الله". جلّ ما فعلوه أنّهم أرسلوا وسطاء لنقل رسائل تحمل التحذيرات وليس الاسترضاء، وطلبوا بدورهم ممارسة "الصبر الاستراتيجي" حتى يقنعوا تل أبيب بأنّ حرباً عاجلة على لبنان ليست ضروريّة. الهيبة التي كانت لـ"حزب الله" قبل الثامن من تشرين الأول الماضي خسرها. هو يطلق الصواريخ على المواقع الإسرائيلية المكشوفة، ولكنّ الجيش الإسرائيلي يطارد مقاتليه حتى في غرف نومهم، ويلحق بهم خسائر تتساوى مع خسائره البشرية في غزة، حيث يواجه مقاتلين لا يهابون الموت ويحتمون بكثافة سكانية هائلة ويتمتعون بحمايات قتالية عالية الجودة، مثل الأنفاق! وهذه الصورة التي لا يمكن لـ"حزب الله" أن يتحمّلها توتّره. ووضع خطة، في المرحلة الأخيرة، لتغييرها: يطلب من بعض الفلسطينيّين في الضفة الغربية أن يهتفوا باسمه، كما كان يفعل بعض المسترزقين في "الثورة السورية"، ينشّط جيوشه الإلكترونية في محاولة للنيل من خصومه وأفكارهم، وينفض "الغبار" عن بعض "صقوره" الذين كان قد عاقبهم بالإبعاد، في محاولة لإلحاق الأذية بصورة معارضيه! هدف "حزب الله" من ذلك، "عدم إعطاء صورة انكسار، على الرغم من كل الآلام والعذاب"، كما قال قبل أيّام قليلة مسؤول "ملف الموارد والحدود" النائب السابق نواف الموسوي الذي كان "حزب الله" قد دفعه الى ذلك. نوّاف الموسوي نفسه، في مقابلة تلفزيونية في قناة الحزب التلفزيونية "المنار"، لم يجد ليرفع المعنويات سوى تحقير الخصوم اللبنانيين الذين وصفهم، شاملاً الحلفاء السابقين كـ"التيار الوطني الحر"، باللؤماء والخبثاء والحاقدين "الذين لم نترك شيئاً إلّا وعملناه لهم، ولكنّهم لن يتغيّروا مهما قدمنا لهم أكثر". ولم يكتف الموسوي الذي تولّت الجيوش الإلكترونية الخاصة بـ"حزب الله" توزيع كلامه على أكبر نطاق ممكن، بذلك بل ذهب إلى حدود التبجح. فبعدما دعا إلى عدم وضع هؤلاء الخصوم في الحساب، قال: "من يقاتل الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني يجب ألّا ينظر الى هؤلاء الصغار". ويعرف الجنوبيون قبل غيرهم أنّ الإدارة الأميركية الحالية هي التي وافق "حزب الله" على مساعيها لترسيم الحدود البحرية، مما وفّر لإسرائيل الأمان من أجل استغلال الغاز الغزير الكامن في حقل "كاريش" بعدما تنازل لبنان عن حقوقه فيه، علماً أنه كان قد ثبّتها بالوثائق والخرائط والقوانين الدولية. كما أنّ هذه الإدارة هي التي منعت إسرائيل ولا تزال تمنعها من شنّ حرب واسعة على لبنان، الأمر الذي يظهر، كل يوم، أنّه يثير غضب سكان شمالها، وفق ما أظهرته الجولة التي نظمتها الإدارة المدنية لمراسلي وسائل الإعلام العالمية في بلدة المطلة الحدودية، الأسبوع الماضي. والأدهى من ذلك أنّ "حزب الله" الذي يُكثر من الصياح ضد هذه الدولة أو تلك، تراه يتوجه راضياً إليها إن هي فتحت كوّة في بوابتها الموصدة في وجهه، فبعد حملة عنيفة على دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت شعار رفض التطبيع مع إسرائيل، وجد نفسه مزهوّاً بالتواصل معها، بمجرد أن لاحت له الفرصة! إذن، "حزب الله" متوتّر. يحاول أن يفعل كل شيء من أجل أن يخرج بصورة انتصار، بحيث ينطبق عليه ما يحاول لصقه ببنيامين نتنياهو، ولكنّ اللبنانيّين يحولون دون ذلك، إذ إنّ معارضتهم المركزة لنهجه تُظهره منكسراً! مشكلة "حزب الله" في هذه الصورة التي يقدمها اللبنانيون له، لا تأبه بما يفعله ضد الإسرائيليّين، بل بما يسببه من ويلات لأبناء وطنه لقاء إثبات جدواه للجمهورية الإسلامية في إيران، قائدة التنظيم المنتشر في أكثر من بلد ويطلق عليه اسم "المقاومة الإسلامية"!