إذا صحت معلومات المصادر المقربة من "حزب الله" التي تحدثت إلى الزميلة الكبيرة الأستاذة هدى الحسيني ونشرت يوم أمس في "الشرق الأوسط"، ومفادها أن المسؤول الأمني في "حزب الله" وفيق صفا الذي زار أخيراً دولة الإمارات العربية المتحدة "أبلغ الإمارات استعداد قيادته لوقف القتال على جبهة لبنان الجنوبية وإعلان المنطقة منزوعة السلاح بوجود عسكري يقتصر على "يونيفيل" والجيش اللبناني، على أن يتم بعد وقف النار اتفاق على ترسيم الحدود البرية كما حصل في الحدود البحرية"، نكون أمام تطور كبير بعد أكثر من ستة أشهر على إعلان "حزب الله" الانخراط في حرب "مشاغلة" ضد إسرائيل نصرة لحركة "حماس" في غزة، وأمام تحول كبير في وظيفة "حزب الله" الرسمية وأحد شعاراتها المقاومة حتى تحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة من إسرائيل. ونكون بالتأكيد أمام إقرار صريح من "حزب الله" بأنه يسعى إلى النزول عن الشجرة التي علق فوقها. وهو يطلب مساعدة دولة الإمارات كوسيط لإنتاج تسوية مع إسرائيل قبل أن تنفجر حرب شاملة تدفع بالأمور إلى أفق أكثر خطورة.

في الجزء الثاني من المعلومات المنقولة عن مصادر مقربة من "حزب الله"، إذا صحت، ما يعكس تطوراً أكثر دراماتيكية، إذ تفيد بأن الرد أتى سريعاً بأن إسرائيل لن تقبل بأي اتفاق مع "حزب الله" قبل أن يسلم سلاحه بالكامل إلى الجيش اللبناني وعلى كامل الأراضي اللبنانية، فها هي العمليات الإسرائيلية وصلت إلى بعلبك والهرمل. ودائماً وفق المصادر المقربة من "حزب الله"، فقد نصح مسؤول إماراتي صفا بأن القبول بتسليم السلاح بالتراضي هو أفضل بكثير من نزعه بالقوة ودمار لبنان. وقد عاد صفا خالي الوفاض وتصاعدت وتيرة القصف الإسرائيلي بعد ذلك.

ما تقدم يجب عدم التوقف فيه عند معلومات المصادر المقربة وحدها. فالواقع يشير حقيقة إلى أن "حزب الله" الذي باشر في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بقرار متفرد بشن حرب "مشاغلة" ومساندة دعماً لحركة "حماس" في غزة، قد يكون ارتكب خطأً فادحاً في تقدير الموقف في غزة، وأيضاً الموقف في إسرائيل. فحرب غزة سارت بغير ما توقع كثيرون. فقد خاضها الإسرائيليون على أنها حرب وجودية. ولم يوقفهم العدد الكبير من الرهائن عن تدمير غزة عن بكرة أبيها فوق رؤوس أهلها والمقاتلين في آن واحد. أضف إلى ذلك أن تل أبيب للمرة الأولى خاضت حرباً طويلة بلا سقوف زمنية. وحظيت حتى الآن بغطاء دولي إما معلن أو غير معلن بهدف تقويض "حماس" وإبعاد الخطر الوجودي عنها.

أما الخلافات مع الإدارة الأميركية فظلت دون سقف التفاهم على هدف هزيمة "حماس" عسكرياً، وإنهاء حكمها في قطاع غزة. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة، سقطت معظم مناطق غزة عسكرياً بطريقة من الطرق. بعضها وقع تحت السيطرة الكاملة وبعضها الآخر بالنار من دون احتلال على الأرض. والخسائر هائلة ومروعة. ولم يبق أمام إسرائيل سوى المربع الأخير في مدينة رفح المحاصرة التي يتم تدميرها تدريجياً من دون تسليط الأضواء عليها.

كان خطأ "حزب الله" الفادح في تقديره للموقف في إسرائيل. فقد بالغ الحزب المذكور كسائر القوى في محور "الممانعة" في الاعتماد على الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل. واعتبروا أن النهاية اقتربت وأن الخلافات السياسية في الحكومة وحول شخص رئيسها بنيامين نتنياهو المثير للجدل داخلياً ستربك المؤسسة العسكرية – الأمنية في ما يتعلق بمواجهة "حزب الله" في لبنان.

ونسيت قيادة "حزب الله" أن هذه الحرب ليست حرباً سياسية مثل حرب 2006. وأن ثمة شبه إجماع عابر للأحزاب والحساسيات السياسية في إسرائيل على الحرب ضد "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، لا سيما بعد صدمة عملية "طوفان الأقصى". بناءً عليه انهارت قواعد الاشتباك والضوابط التي رسمها "حزب الله" لحربه المحدودة ضد إسرائيل. حتى بتنا اليوم بعد رفض الحزب المذكور كل العروض الأوروبية والأميركية لوقف إطلاق النار من الجنوب اللبناني وتحييد الجبهة اللبنانية، أمام استحقاق الاختيار بين وقف سريع لإطلاق النار والخروج من اللعبة، أو الحرب الواسعة المتنقلة التي تخوضها إسرائيل ضد "حزب الله" من أقصى لبنان إلى أقصاه وسوف تتوسع حتماً، من دون أن ننسى الضربات المتصاعدة على الأراضي السورية. وحجم الخسائر يشهد خطورة المسألة.

خلاصة القول أن "حزب الله" أمامه خياران: وقف فوري للنار أو كارثة لا مفر منها.