لفن التمثيل في قطر تاريخ طويل بدأت إرهاصاته الأولى في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن العشرين من خلال مشاهد بسيطة على خشبة مسارح أندية تلك الحقبة مثل أندية الوحدة والتحرير والنجاح والأهلي أو من خلال رحلات الفرق الكشفية المدرسية. واستمر الوضع كذلك حتى عام 1969 حينما نجح نادي الطليعة الثقافي (تأسس في عام 1960 بجهود عدد من الشباب المثقف بقيادة الدكتور علي خليفة الكواري العائد من دراسته الجامعية في مصر) في تقديم أول مسرحية قطرية تحت عنوان «قطر بين الماضي والحاضر».

يقول المخرج القطري سعد البورشيد في ندوة أقيمت في الدوحة تحت عنوان «الدراما القطرية.. الواقع والتحديات» ضمن فعاليات النسخة 31 من معرض الدوحة الدولي للكتاب أن المسرح القطري بدأ يخطو خطوات بطيئة مذاك بجهود شارك فيها بعض المواطنين المثقفين المهتمين بفنون الأدب والمسرح من أمثال حمد السليطي وصالح السليطي والدكتور علي خليفة الكواري ومحمد يوسف العلي وعلي سلطان علي، إلى جانب بعض الكفاءات العربية التي كانت موجودة في المدارس المحلية. كما أخبرنا بأن الفرق الشعبية وفرقة الإطفاء الموسيقية كان لها دور في بروز الاتجاهات الموسيقية والمسرحية في قطر بعد ذلك. والمعروف أن قطر شهدت منذ منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات ظهور فرق مسرحية عدة ومنها «فرقة مسرح الأضواء» عام 1966، و«الفرقة الشعبية للتمثيل» عام 1968، و«فرقة مسرح السد» عام 1973، و«فرقة المسرح العربي» عام 1974.

والحقيقة أن التأطير الفعلي للحركة الدرامية والمسرحية في قطر بدأ مع قرار إنشاء «فرقة المسرح القطري» عام 1972، وتعزز بوجود الإذاعة والتلفزيون الرسميين اللذين تأسسا سنة 1970. لكن الدراما القطرية واجهتها تحديات عديدة، فبدأت مرحلة الانحدار منذ عام 1999 طبقاً للممثل والمنتج فالح فايز، من بعد مرحلة نشاط قوية ومشاركات خارجية متميزة وبروز نجوم مبدعين على المستوى الخليجي مثل عبدالعزيز جاسم وغازي حسين وغانم السليطي (فايز التوش) وصلاح الملا وسعد بخيت وسيار الكواري وعبدالله عبدالعزيز وهلال محمد وهدية سعيد وفاطمة شداد وغيرهم.

كانت تلك مقدمة للحديث عن واحدة من أشهر الأقلام النسوية في قطر كتابة وتأليفاً وخوضاً في مجال الدراما، وهي السيدة «وداد عبداللطيف الكواري» التي قيل إنه لولاها لما شاهد أحد الدراما القطرية بالقبول والرضا، بل قيل عنها إنها خلقت لتبعث الحياة في الحرف وتنسج من الكلمات الحكايات النابعة من هموم ناسها وقضايا مجتمعها.

ولدت وداد الكواري في الريان، إحدى ضواحي العاصمة الدوحة في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1967 ابنة لأم من عائلة النعيمي وأب هو عبداللطيف الكواري المنحدر من قبيلة البوكوارة وهي واحدة من قبائل شرق الجزيرة العربية المعروفة التي ينتشر أفرادها في مختلف دول الخليج العربية ولاسيما في البحرين وقطر، علماً بأن آل بوكوارة من حيث النسب يرجعون إلى بني تميم في نجد.

نشأت وترعرعت الكواري في الريان وسط عائلة مكونة من والديها وأخ شقيق وست من الشقيقات، وتلقت مراحل تعليمها النظامي في مدارس الريان، وفيها تفجرت مواهبها في الكتابة والتمثيل والإلقاء وغيرها. ففي العاشرة من عمرها وهي على مقاعد الدراسة الإعدادية، كانت شعلة من النشاط في مدرستها، حيث كانت تؤلف المشاهد التمثيلية القصيرة والأناشيد والأغاني، وتدرب زميلاتها على الحفظ والإلقاء، وتشارك معهن بحماس وجرأة وتميز في الطابور الصباحي والحفلات السنوية والإذاعة المدرسية. وقتها لقيت التشجيع والتقدير من مدرستها ومعلماتها، الأمر الذي شجعها على الكتابة ومراسلة المجلات والصحف المحلية مثل «الجوهرة» و«العروبة» و«العهد» بغرض نشر كتاباتها، فكانت هذه المطبوعات تنشر لها ولغيرها من باب ملء صفحاتها وتشجيع الأقلام المحلية، وليس من باب إيمانها بجودة تلك الكتابات، حسب قولها في حوار مع مجلة «جميلة» (26/5/2016) التي انضمت إلى كتابها في عام 2015.

ولعل ما أعطاها دفعة معنوية هائلة في تلك الحقبة المبكرة من حياتها للمضي قدماً في اقتحام عالم الكتابة الروائية والقصصية هو فوزها بالجائزة الأولى عن قصة كتبتها بعنوان «ليلى» في مسابقة للقصة القصيرة أعلنتها وزارة الثقافة وقتذاك. ودليلنا هو أن فوزها بتلك الجائزة جعلها تقدم على كتابة المزيد من القصص القصيرة التي جمعتها لاحقاً في كتاب واحد بعنوان «للحزن أجنحة.. قصص قصيرة». وقد تطرق الدكتور حسن رشيد في دراسته للقصة القصيرة عند الكواري إلى ثلاث من قصصها القصيرة وهي: «الرحلة الأخيرة» و«ليست إلا ذبابة» و«كرباج»، وقدم لها تحليلاً فنياً، وأشاد بصفة خاصة بقصة «كرباج»، واصفاً إياها بأنها من حيث فن الكتابة تعتبر من أفضل القصص كونها لا ترتبط بمكان أو زمان محدد، وإنما تحتوي على طرح يشمل الكون عبر خريطة العالم، وإنْ اختارت الكاتبة بيئة عربية وخلقت أجواء عربية لتعبر من خلالها عن رؤيتها للكون والحياة.

راحت الكواري، التي تكنى بـ«أم سيف»، بعد ذلك تواصل إبداعاتها في مجالات أخرى متنوعة. إذ توقفت عن كتابة القصص القصيرة وبدأت مشوارها في الكتابة للمسرح والدراما التلفزيونية، واختارت أن تركز على مسرح الطفل أولاً، فلقيت مسرحياتها هذه إقبالاً شديداً من الأطفال وأسرهم على حد سواء. وتقول الكواري في هذا السياق «لعلي أول خليجية تكتب للطفل».

غير أن ما أطلق شهرتها محلياً وخليجياً وعربياً هو ذلك الإبداع الذي تجسد في كتاباتها الدرامية للتلفزيون. والحقيقة أن ذلك الإبداع لم يكن وليد الصدفة وإنما نتاج تأملات عميقة في واقع المجتمع القطري والخليجي ورصد مستمر لتحولاته ومتغيراته وهمومه، ناهيك عن حرصها الشديد على مطالعات دائمة لكتابات الآخرين في القضايا الاجتماعية والثقافية. ولعل ما ساعدها على اقتحام التلفزيون هو أنها ابنته الشرعية، إذ أنها التحقت للعمل بتلفزيون قطر، بعد أن أكملت تعليمها النظامي، كموظفة في قسم التنسيق والتنفيذ، فتدرجت من مقدمة إلى معدة فإلى قارئة نشرة مسائية، قبل أن تنتقل إلى قسم الدراما والنصوص التي وجدت فيه بيئة نموذجية لتلبية طموحاتها وإشباع شغفها.

وهكذا صار اسم «وداد الكواري» ماركة مسجلة متداولة في الدراما القطرية والخليجية بسبب أعمالها الناجحة واللافتة والمجسدة لواقع الحياة والإنسان بأدق تفاصيله والتي لقيت قبولاً جماهيرياً وزخماً إعلامياً وحصدت الكثير من الجوائز، خصوصاً وأن الكواري عرفت بأنها، قبل إقدامها على كتابة أي عمل درامي، تدخل في عزلة تامة وتقطع كل سبل الاتصال بها طلباً للهدوء والتركيز وتجنباً لأي ربكة وكي يكون إنتاجها متقناً ومرضياً لجمهورها. ومن جانب آخر، فإن مرد نجاحها في كتابة النصوص الدرامية، هو التوليفة التي تتقنها «بحس الأنثى وإحساس الممثلة وقلم الكاتبة» حسب تعبير أمل الفلاسي في «البيان» (30/1/2009)، حيث إن الكواري، قبل أن تكون كاتبة وإعلامية، اشتغلت في بداياتها في ثمانينيات القرن العشرين بالتمثيل من خلال عدد من المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية من أشهرها مسلسل «بيت أبو خالد» مع خالد النفيسي وسعاد عبدالله عام 1980، ومسرحية «الحذاء الذهبي» مع عبدالعزيز جاسم ومبارك خميس عام 1980، والمسلسل السوري «عزالدين القسام» مع أسعد فضة ومنى واصف، ومسرحية «طماشة» مع محمد السريع ومحمد جابر وغانم السليطي عام 1981، وسباعية «دانة» مع سعد بورشيد وعبدالعزيز جاسم عام 1981، ومسلسل «الفرسان الثلاثة» مع سعد بورشيد وعبدالعزيز جاسم وهلال محمد عام 1981، ومسلسل «أحلام ساهي» مع غانم السليطي عام 1981، ومسلسل «سيف دحيلان» مع محمود أبوغريب وطلحت حمدي عام 1982، والمسلسل المصري المشترك «أواخر الأيام» مع خضر ناصر الدين وهلال فهمي وعثمان محمد علي عام 1982، و التمثيلية الكويتية «الغرفة» مع عائشة إبراهيم ومحمد المنيع وإبراهيم الحربي عام 1985.

ومنذ منتصف الثمانينات، وبسبب ضيقها من الأضواء، قررت الكواري أن تتوقف عن التمثيل وتوجه طاقتها ومواهبها نحو كتابة الأعمال الدرامية والمسرحية، إيماناً منها بالدور المهم للتلفزيون في إيصال ما تريده للجمهور، والدور الريادي للمسرح في التأثير والتوعية وتذوق الفنون، فقامت مذاك بتأليف نحو 31 عملاً من أبرزها مسلسلات: التناقض (1986)، التائهة (1987)، 29 سالفة وسالفة (1989)، البيت الكبير (1990)، أيام العمر (1991) عفواً سيدي الوالد (1994)، نأسف لهذا الخلل (1996)، حتى إشعار آخر (1997)، أحلام البسطاء (1999)، حكم البشر (2002)، يوم آخر (2003)، بعد الشتات (2004)، عندما تغني الزهور (2005)، نجمة الخليج (2006)، نعم ولا (2007)، ظل الياسمين (2008)، قلوب للإيجار (2009)، ما أصعب الكلام (2010)، خادمة القوم (2012)، البيت بيت أبونا (2013). هذا إضافة إلى قيامها بتأليف عدد من المسرحيات للأطفال مثل: ريم والساحر شحتوت (1990)، السيارة العجيبة (1991)، عيال السيارة العجيبة (1992)، الكابتن ماجد (1994)، افتح يا سمسم (1996). ومما يجدر بنا ذكره في هذا المقام هو أن الكواري فازت بجائزة أفضل سيناريو عن مسلسل «نعم ولا»، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للإعلام العربي سنة 2007، وفازت بنفس الجائزة من نفس الجهة عن مسلسل «قلوب للإيجار» سنة 2009.

وفي الوقت نفسه، ووفاء للصحافة التي أفردت لها صفحاتها وهي طفلة، لم تتوقف عن كتابة المقالات والزوايا الأسبوعية في صحف مثل «العرب» و«الوطن» القطريتين، ومجلات أخرى متنوعة. وما بين هذا وذاك، لم تنس الكواري أن تعزز تحصيلها العلمي، فحصلت على شهادة التمثيل من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وبكالوريوس الآداب في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية.

تعاونت وداد الكواري، المتزوجة من المعلق الرياضي القطري المعروف يوسف سيف، في أعمالها الدرامية مع عدد كبير من النجوم والنجمات والمخرجين من قطر وبقية دول الخليج، غير أنها ارتبطت بصفة خاصة بالفنان القطري الراحل عبدالعزيز الجاسم (زوج شقيقتها) والمخرج البحريني اللامع أحمد يعقوب المقلة، فشكلوا ثلاثياً فنياً رائعاً مكوناً منها ككاتبة ومن عبدالعزيز جاسم تمثيلاً ومن المقلة إخراجاً. وتجلت روعة الثلاثي في أعمال مثل «حكم البشر»، و«يوم آخر»، و«بعد الشتات»، و«عندما تغني الزهور»، وصولاً إلى مسلسل «نعم ولا» الذي ناقش قضايا مسكوتاً عنها، فأثار جدلاً كبيراً.

وأخيراً، كتبت عنها الكاتبة السعودية «هيا عبدالعزيز المنيع» بجريدة الرياض، ما مفاده أن وداد الكواري نجحت في هزيمة قناة الجزيرة والتفوق عليها عبر تقديم أعمال درامية متقنة تعالج مشاكل وهموم الإنسان القطري والخليجي، بدلاً من إشغاله بقضايا تثير الغبار وبرامج تشعل الأجواء وتخلق العداوات في المحيط الخليجي.