إن أخطر ما كرسته ثورة الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، هو هذا الانفلات من كل الأطر والمحددات الاجتماعية والعقلانية، التي كانت لعهد قريب تحكم سلوكيات الناس وعلاقاتهم ونظرتهم لأنفسهم، إلى الدرجة التي صرنا نرى بشكل يومي ومعتاد، رجالاً يمارسون الرقص الشرقي كالنساء، ونساء يتعرين على الملأ، وفتيات يتحدثن بما يندى له الجبين، وأشخاصاً لا علم لهم يتحدثون في الدين، ويفتون في الحلال والحرام، انطلاقاً من وهم الحرية والتحرر!

إن من أصعب الأمور على الإنسان بشكل عام، هو إقراره بالقصور والضعف، بالرغم من كل مظاهر القصور لديه، فهو كائن مستطيع بغيره، لا يمكنه أن يسير في الظلام الدامس، أو ينام في بيت مهجور، أو يثق في غريب يلتقيه للمرة الأولى!

هذا القصور الذي يتجلى في عجزه عن استكناه الغيب، ومعرفة المجهول، والإحاطة بكل المعارف والعلوم، وفي مواجهة الأخطار الكبرى، كمخاطر الطبيعة وتحدياتها المميتة، لذلك، ففي أول حياته على الأرض، عبد الكواكب والنجوم، وقدّس قوى الطبيعة، وجعلها آلهة ليتحاشى مخاطرها، تماماً كما يقدّس الناس في أيامنا هذه المال والنفوذ، وقوى الطغيان المسيطرة، و..... إلخ، لأن الحال كما هي لم تتغير، والإنسان برغم تقدمه المذهل واكتشافه مجاهيل الفضاء، إلا أنه يبقى هو نفسه ذلك الإنسان بكل ضعفه البشري، وعجزه وقصوره، وهذه ليست عيوباً بقدر ما هي طبيعته البشرية، التي لا يستطيع الفكاك منها، مهما حاول الارتقاء على شرطه البشري!

لذلك كله، يبدو غريباً ذلك الإنسان الذي لا علم لديه في الدين، لكنه لا يتوانى عن أن يضع رِجلاً على رِجل ليفتي، ويقول في الدين ما يخطر بباله مما التقطه من الإنترنت، والأمر لا يعني هنا أي قداسة لرجال الدين، بقدر ما يعني أن لكل علم أهله ومختصيه، فإذا كنت تستنكر مجادلة طبيب، فكيف تجادل في القرآن والأحاديث والفقه والصحيحين؟ ألا يبدو الأمر غريباً ومستفزاً، حين يحوّل البعض الدين إلى مجرد وجهة نظر، يحق لكل من أراد أن يبدي فيه رأياً؟؟