بعد أيام، تكمل الحرب في غزة شهرها السادس، وهي فترة احتمل فيها العالم العربي عبئاً إنسانياً لا يتوقف عند حد، لكنه يتفاقم مع تطورات الأمور في القطاع، أو في ما تبقى منه، وما يحدث لمن بقي من سكانه.

مرة أخرى، لا وقت لمؤاخذات متعلقة بالبداية، ولا حاجة للانشغال بتوزيع اتهامات ومسؤوليات على الأطراف المشتبكة في لحظة حرجة من عمر المنطقة، فالأهم هو تجاوز ما يعيشه الفلسطينيون في غزة، وفي الضفة أيضاً بصيغ أخرى، والبحث عن مخارج ليصبحوا قادرين على استئناف الحياة بصورها الطبيعية، وتثبيت الاستقرار بحيث لا تبقى الأمور قابلة للانفجار في أية لحظة.

وسط ذلك كله، لا يمكن المرور على محاولات بعض الجماعات على تسخين ساحات عربية، أو مواصلة التحريض في مواضع جديدة غير التي خابت فيها رهاناتها منذ بداية الحرب في غزة، وفي هذا استمرار للعبة خلط الأوراق وركوب الموجة ولبس الحق بالباطل: حق القضية، وباطل محسوبين عليها، أو مدّعي وصل بها.

شهدت الشهور الستة الماضية كثيراً من ذلك، ونصّب البعض أنفسهم قيّمين على القضية الفلسطينية، ومتحدثين باسمها يوزعون التهم ويحددون المهام ويستفزون المشاعر بحيل قديمة؛ أملاً في توسيع دوائر الاشتباك، وتوريط ما استطاعوا من الأطراف.

هل كان السعي إلى ذلك تعويضاً أو تخفيفاً عن ساحات لم تنفتح وخذلت صانع القرار الفلسطيني في غزة؟ هل كان الهدف أن يجني البعض ثماراً استراتيجية مما يجري في غزة ويترك الحنظل لبقية المنطقة؟ هل التقت كل الجماعات القريبة، رغم اختلاف أهدافها ومعتقداتها، على تبني صيغة جديدة من صيغ نشر الفوضى وتجربة ذلك في عواصم ضمن الطوق الفلسطيني؟ أسئلة كثيرة يمكن طرحها، ويجوز النظر إلى بعض التحركات والتصريحات بريبة أو برغبة في الفهم.

من يفاوض من أجل الفسطينيين في غزة، أو يدعمهم بغير ضجيج لا يسلم من الأذى والاستهداف الذي هو جزء من محاولة جرّ أطراف أخرى إلى المعركة، لكنّ الجزاء الأوفى يكون من نصيب أطراف أخرى، بل إن الخطاب الفلسطيني الممتن لهذه الأطراف يضعها في مقدمة الصفوف المساندة له، ويعتبر سياساتها نُصرة استراتيجية.

توزيع الغنائم الآن، على الأقل بعبارات الشكر، قد يشي بنهاية وشيكة للحرب، وقد يعني اكتمال مرحلة منها وبدء أخرى، لكن هل ذلك يقتضي التعبير عن الامتنان لأطراف كان من المفترض تحت شعار وحدة الساحات، أو وحدة الجبهات، أن تكون في قلب المواجهة على الأرض، والانتقاص في الوقت نفسه من جهد أطراف أخرى داعمة بحق، بل والتحريض على إشعال ساحاتها استغلالاً لأيام مقدسة، أو تركيبة مجتمعات بعينها تجعلها أكثر قابلية للتفجير؟ بعد الفشل في استفزاز جيش بعينه، وخسارة معركة إعلامية احترفت اصطناع وقائع، وتزييف أخرى، وتشويه مواقف، ونكران غيرها، لا يمكن غض الطرف عن تفخيخ دول بعينها.