هل يعقل أن يحاسبك الناس على أفكارك، إذا أنت جمح بك جواد الخيال، فخطر على بالك أن تبتكر حلولاً إبداعيةً لكبوات الإنتاج الفني؟ ماذا لو أنشأت صفوةٌ من المثقفين جمعيةً خيريةً يتبرع فيها الأخيار بأفكار لمسلسلات مبرّأة من الاجترار والتقليد، معصومة من التمطيط وسوء التخطيط، ولا تغرق المشاهدين في الغطيط؟ هؤلاء الأجواد لا يرجون جزاءً ولا شكوراً، إنْ أجرُهم إلاّ ما يَنعم به الجمهور من إمتاع ومؤانسة.

هيّن أن تفكر في الآثار وردود الفعل، فهوّن عليك. من ناحية، سيقول المنتجون: ما هذه المقترحات الهجائية، فنحن قوم مبدعون ولسنا في حاجة إلى معونة أحد. لكن الناحية الأخرى أدهى: سوف يقول المشاهدون: ما للشركات المنتجة والفضائيات، تقضي كل عام أحد عشر شهراً، لكي تملأ الشاشات حشفاً وسوءَ كيْلة؟ هل يظنون أن ثلاثة أعمال أو أربعة، جيّدة أو مقبولة، في العام، فتح الفتوح، وإتيانٌ بالأسد من أذنه؟ هل يدرون ما معنى أربعمئة مليون نسمة؟

الفكرة تلوح لاذعةً لاسعةً، هامزةً لامزةً واخزةً لاكزةً، حين تنظر إليها شزراً من زاوية المنتجين، لكنها تتجلّى فيها الأريحية والديمقراطية وردّ الاعتبار للجمهور، الذي سامته الشركات سوم الاستخفاف والاستضعاف. لنأخذ الأمور ببساطة: ندعو عشرة من كبار المثقفين، أهل الفكر والأدب والفن، من كل بلد عربي، ما يفوق المئتين، ونسألهم: هل أغلبية المسلسلات المعروضة، تليق بجمهور منتقى من المفكرين وأساتذة الجامعات في جميع التخصصات، وعلماء المجامع اللغوية، والأطباء والمهندسين، وسائر من ارتقى إلى ذراهم؟ هل الديمقراطية الثقافية والذوقية عندكم هي رفع مستوى الأدنى إلى الأعلى، أم الانحدار بالأعلى إلى الأسفل؟

هل في الأمر عيب فكري، أو عاهة ثقافية، أو نقيصة أخلاقية، إذا تدفقت الأفكار الابتكارية الإبداعية، في كل بلد عربي على حدة، أو على صعيد عربي، وشقت للإنتاج الفني دروباً جديدة؟ لقد وصل هذا الميدان الحيوي إلى طريق مسدود. سيلوّون رؤوسهم مستهزئين قائلين: هذه الفكرة غير عملية، غير ممكنة التطبيق، بالتالي فهي عاطلة باطلة. معاذ الله أن يكون قصد القلم هو تأسيس مثل تلك الجمعية الخيرية الإبداعية. لكن، على طريقة الفيلسوف البريطاني برتراند راسل: «إن الفلسفة لا تحلّ لك المشكلة، لكنها تجعلك تراها على نحو أكبر». وكفى بالمنتجين قصوراً.

لزوم ما يلزم: النتيجة القفصيّة: الدبّ لا يعرف كيف الخروج من القفص، لذلك يتصوّر أن المشكلة في القفص، لا في عجزه.