في مجلس الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، ثلة من الرفقاء الحكماء، وصادف أن جلست بجانب أحدهم، وقد رأيته بعد فترة ليست بالقصيرة، سألني أين هذه الغيبة، قلت في أبوظبي لتغطية حدث زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدولة.

بادرني، كم يوم استغرقت زيارته، قلت سويعات، قال لي: «بوتين» رجل أعاد لروسيا رونقها ومكانتها بعد أن سلمها «جورباتشوف» إلى الاستخبارات الأميركية للتخلص من الاتحاد السوفييتي الذي كان محافظاً على توازن معادلة السلم العالمي والاستقرار المستدام.

هذا الحكيم من أبناء وطني قارب التسعين من عمره، يحاورني أبوياً، وقال لي: ولدي: «بوتين» لا وقت له للهو فهو من اجتماع مهم إلى اجتماع أهم، لأن لديه همّ لملمة شمل الجمهوريات التي تناثرت من العِقد السوفييتي، ليس على الصيغة السابقة ولكن بالتعاون والتنسيق في المشتركات الروسية.

وأضاف: بوتين لم يتلفظ يوماً بكلمة تسيء إلى العرب أو المسلمين كما يفعل أحد الرؤساء الأميركيين السابقين ليل نهار، بمناسبة وبغيرها.

هذا النوع من الاستغلال والابتزاز لم تمارسها روسيا طوال عهودها السوفييتية والاتحادية.

عندما احتاجت السعودية للمال بالداخل في عهد الملك عبدالله، رحمه الله، (طلبت) سحب 10% من صندوقها السيادي في أميركا، رفضت الحكومة الأميركية آنذاك الاستجابة لهذا المطلب الذي يعد جزءاً من الحق السيادي للسعودية.

وقال لي: اسمعني ولدي، أميركا دولة مفلسة، كنت من قريب في ولاية «كنتاكي»، كان الموظفون فيها لا يتقاضون رواتبهم، بل الحكومة المحلية تسلمهم كوبونات خاصة لشراء ضرورياتهم الحياتية من يصدق بأن هذه أميركا التي تملأ آذاننا.

الولايات المتحدة تعاني من عجز في ميزانيتها يقدر بتريليون دولار، وتسعى لجمع ضرائب متأخرة لا تقل عن تريليون دولار كذلك، أما الخلل في ميزانها التجاري مع الصين فيقترب من نصف تريليون دولار أيضاً.

وأضاف: هناك ثلاث دول غير أميركا يجب التعامل معها بحنكة وفق مصالحنا وهي ليست مرتبطة بأميركا فحسب.

روسيا أولاً وهي ليست بحاجة إلينا، فهي مكتفية بذاتها بشكل، فالمصلحة معها أدوم وأقوم، فهي أقرب إلى الشرق منها للغرب.

الدولة الثانية، الصين، فالصين اليوم لديها القدرة على إنتاج ما نحتاج إليه حسب المواصفات والمقاييس التي نريدها، فهي تقوم بصناعة حاملات الطائرات وصولاً إلى تقنيات «النانو الدقيقة»، وهي التي تملك المواد الخاصة بذلك ولا تملكها أميركا، بل هي تستورد منها.

وأما الدولة الثالثة، فهي الهند، فالهنود هم الذين بنوا سكك الحديد في بريطانيا، وهم كانوا في مقدمة جيوشها في حروبها العالمية، والهند غذت بريطانيا العظمى بالثروات.

لقد كنت في «مومبي» قريباً، فرأيت كيف أن المركبات تغسل شوارعها، ومصانعها تنتج قطع طائرات الـ«البوينج» ووديان السيليكون لا تعرف النوم من كثرة إنتاج الإلكترونيات.

ولدي، أقول لك: هذه الدول الثلاث ستكسر احتكار السياسة الأميركية التي نتضرر منها دون أن نملك مخرجاً من تأثيراتها السلبية على قراراتنا.

وقلت له: الوالد ما الحل؟، فأجاب: الحل الوحيد هو في عبارة «واعتصموا ولا تفرقوا»، ورمي «سياسة فرق تسد» من خلف ظهورنا، وبغير ذلك يكون قد فات الأوان.